"قدري حفني" عالم النفس الذي حاكم نظام التعليم قبل رحيله
الدكتور قدري حنفي
مثّل رحيل الدكتور قدري حفني، أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس، وأحد أبرز المتخصصين في علم النفس السياسي بالعالم العربي، أمس عن عمر يناهز 80 عامًا، صدمة لمن حاولوا وضع حد للمشكلات المجتمعية في مصر، إذ كان بمثابة نقطة الانطلاق التي يتحرك منها أكثر الحالمين بأن يكون المجتمع المصري قمة في التقدم والرقي، بعد تطهيره من التطرف والإرهاب.
"قدري" الحاصل على درجة الدكتوراه في علم النفس من جامعة عين شمس عام 1974، كان عدوًا لجماعة الإخوان الإرهابية، ومن أكثر علماء النفس الذين كشفوا خواء عقولهم وشيطنة أفكارهم، إذا لم يكن تستهويه في الجماعة مسألة "الطاعة العمياء"، التي لا يتبعها سوى المغيبين والجهلاء.
ويظل حفني مؤلف "علم النفس الصناعي والصراع الطبقي"، أحد المفكرين الموسوعيين، الذي ضحى بشبابه في معتقل سجن الواحات، دفاعًا عن أفكاره الماركسية، منتصف الخمسينيات، إلى أن قرر تغيير تفكيره بشكل كامل ليخوض صراع آخر ضد الصهيونية ليقدم للوسط العلمي دراسته الفريدة التي تحمل وجهة نظر رصينة صاغها في "تجسيد الوهم".
ظل حفني، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في علم النفس عام 1972، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأول عام 1973، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2000، حتى في آخر أيامه، يتمسك بأن الحوار مع الجماهير أساس الفكر الصحيح، وأن اعتماد منظومة تعليمية متحضرة، السبيل الأمثل لقطع الطريق على التنظيمات الإرهابية لاستقطاب شخصيات جديدة، ضعيفة فكريًا وعلميًا ونفسيًا.
شغل عدة مناصب أكاديمية بجامعات ومعاهد مصر وعدد من الدول العربية، وأسس وتولى رئاسة وحدة الدراسات الاستراتيجية بجامعة عين شمس، وعمل مستشارًا لعدة مؤسسات عربية ودولية متخصصة، ومثّل مصر في الملتقى الأوروبي العربي بإسبانيا، وشارك في مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، إلى جانب مشاركته في العديد من الفعاليات العربية والدولية.
ينظر المدافعين عن نظام التعليم الجديد، أن رحيل قدري حنفي كان سينقذ الدكتور طارق شوقي من تهمة إضفاء المزيد من الفشل على المنظومة التعليمية، حيث رأى حفني عندما حلل ظاهرة الإرهاب في السبعينات والثمانينات، أن اقتلاع جذور الإرهاب لا يمكن أن يتم بعيدًا عن إصلاح النظام التعليمي، بنسف المنظومة الموجودة التي يتخرج منها إرهابيون بدلا من علماء.
كان حفني شخصية بحثية لا تتحدث أو تصدر أحكاما قبل إجراء بحوثات دقيقة تقوده إلى إصدار الآراء بشجاعة غير معهودة، فهو لم يكن يستهويه النقد من أجل النقد، بل النقد من أجل الإصلاح وتغيير ثقافة وأفكار المجتمع، لذلك كان أسطورة في علمه، ومن الصعب الطعن على آرائه.
عندما قام بتحليل ظاهرة الإرهاب، خلص إلى أن السبب الرئيسي وراءها يتمثل في عدم دراسة الطلاب لعلم مناهج البحث أو الفلسفة أو المنطق أو التفكير المطلق غير المقيّد بمناهج عقيمة، أو أي من المواد النظرية التي تعتمد على إعمال العقل وليس على مجرد الحفظ والتلقين، وهو نفس المنطق الذي يتحدث بها طارق شوقي وزير التعليم، ما يعني أن الرجل رحل في أشد حاجة الحكومة إليه لإقناع المجتمع بأهمية النظام التعليمي الجديد.