عندما تكون بداية الجمهورية الثالثة هى رجوع طابا، نعلم مدى ما قام به نظام مبارك لاسترداد هذه النقطة المهمة من أرض الوطن، التى لم يستشعر الجانب المصرى أن هناك أزمة بشأنها إلا عندما أعلن اللواء بحرى محسن حمدى فى مارس ١٩٨٢ عن وجود مشكلة بالمفاوضات بين مصر وإسرائيل، كانت هذه هى أول مرة يعلن فيها رسمياً عن وجود هذا الخلاف حول طابا، وبعدها أعلن كمال حسن على، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصرية، بعد لقاء تم بينه وبين أرييل شارون، وزير الدفاع الإسرائيلى، فى سيناء، باعتبارهما رئيسى الجانبين فى اللجنة العليا لترتيبات الانسحاب، أن هناك خلافاً فى وجهات النظر حول نقطة طابا وأن مصر لن تتنازل أو تفرط فى سنتيمتر واحد من أراضيها، وأن الحفاظ على وحدة التراب الوطنى المصرى هدف أساسى وركيزة لأى تحرك، وكان الخلاف الذى نشأ هو حول تفسير كلمة (الميول الشرقية) لتل طابا حيث إن الوثائق التاريخية والخرائط الموجودة لدى الجانبين توضح خط الحدود بالتفصيل فى كل المواقع وفى منطقة طابا، وأن الخلاف ينحصر حول تفسير إسرائيل لمكان هذه (الميول) حيث إنهم يحددون موقعاً مخالفاً لما نعرفه، وأن مساحة الخلاف ١٠٢٠ متراً، وأن مصر متأكدة من أنها ستتمكن من إزالة هذه العقبة لأن الحق فى جانبها على أساس ما توضحه اتفاقية عام ١٩٠٦، وأن طابا مصرية مائة فى المائة..
عند ذلك أعلنت مصر موقفها المبدئى وهو الاحتكام للمادة السابعة من معاهدة السلام، التى تنص على أن (تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضة وإذا لم يتيسر تحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم)، وأبدت مصر رغبتها فى اللجوء إلى التحكيم حيث إن الخلاف لم يمكن حله عن طريق المفاوضات، ورفض الجانب الإسرائيلى رغبة مصر فى اللجوء إلى التحكيم بحجة أنه لم يتم استنفاد وسيلة المفاوضة أو التوفيق التى تنص عليها المادة السابقة، وفى الوقت نفسه، ادعت إسرائيل أن موقفها ليس سوى تصحيح لخطأ فى رسم الحدود الدولية لمصر التى بدورها أثبتت أنه عند انسحاب إسرائيل عام ١٩٥٧ من سيناء كانت تلك النقطة ضمن الحدود المصرية طبقاً للوثائق والخرائط، وأن الحل لذلك هو التحكيم لأن قراره ملزم، واستمرت الاتصالات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل وأمريكا على أعلى مستوى، وفى ٢٤ أبريل ٨٢ وقبل الانسحاب الإسرائيلى النهائى من سيناء بساعات وصل الوفدان الأمريكى والإسرائيلى إلى القاهرة وعقدت جلسة مباحثات ثلاثية فى وزارة الخارجية المصرية استمرت حتى منتصف الليل وغادر الوفدان القاهرة إلى تل أبيب لعرض الأفكار النهائية على الجانب الإسرائيلى، وفى مساء ٢٦ أبريل وقع كل من السفير (الشافعى عبدالحميد) وكيل وزارة الخارجية و(ديفيد كيمخا) سكرتير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، اتفاقاً حول أسس تسوية الخلاف حول نهاية خط الحدود فى منطقة (راس طابا) على خليج العقبة وفقاً للآتى:
- الانسحاب الإسرائيلى إلى ما وراء خط الحدود الدولية الذى تراه مصر.
- أن توجد القوات متعددة الجنسيات والمراقبون فى المنطقة المختلف عليها إلى أن يتم الاتفاق بشكل نهائى على الحدود.
- عدم قيام إسرائيل بأى إنشاءات جديدة فى المنطقة حتى يتم التوصل إلى حل نهائى للخلاف بالتوفيق أو التحكيم.
- تبدأ الاجتماعات لبحث أسلوب تطبيق المادة السابعة من الاتفاقية، التى تنص على التوفيق أو التحكيم وذلك بعد أن استنفد الطرفان سبل التفاوض حول هذا الخلاف.
- تشترك أمريكا فى هذه الاجتماعات بناءً على طلب الطرفين.
وقد ظلت هذه المبادئ الخمسة هى التى تحكم الأوضاع فى منطقة طابا، وطبقاً لما تم الاتفاق عليه انتقلت وحدة للقوات متعددة الجنسيات لحفظ السلام لتنتشر فى مساحة كيلومتر تحيط بمنطقة الفندق الذى أنشأته إسرائيل وتحددت مهمة هذه القوة التى تمركزت فى المنطقة المتنازع عليها فى الحفاظ على أمن المنطقة ومراقبة من ينتهك الشروط المتفق عليها، وإعادته إلى السلطات التابع لها سواء كانت مصرية أو إسرائيلية نظراً لعدم وجود أى سلطة مدنية فى هذه المنطقة.. وفى الوقت نفسه شكلت مصر لجنة قانونية تضم مجموعة من الأساتذة والخبراء المتخصصين فى القانون الدولى برئاسة الدكتور (وحيد رأفت) لدراسة الجوانب القانونية للتوفيق والتحكيم، كما شكلت لجنة فنية برئاسة اللواء (محسن حمدى) للاتفاق على النظام الذى سيكون فى المناطق المتنازع عليها خلال المرحلة الانتقالية.
(يتبع).