شهدت مصر على مدار أسبوعين معركة «الفستان»، أو «فستان الممثلة رانيا يوسف فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى»، وهى فى هذه الفترة بمثابة أم المعارك، وهى ممثلة حاولت متابعة الموضة العالمية التى ظهرت بها ممثلات السينما العالمية والعربية أيضاً، وحتى الأميرة الملكية «ميجان»، زوجة الأمير الإنجليزى هارى، التى ظهرت بجيبة شفافة فى إحدى المناسبات، وبصرف النظر عن رأيى فى هذه الموضة، لكن ما لفت نظرى فى هذه المعركة هو الغياب التام لكلمة حرية المرأة فى ارتداء ما تراه مناسباً، والخروج من هذه المعركة بنتيجة واحدة أن مفهوم حرية المرأة مفهوم أحادى للحرية ليس له علاقة بالمرأة من قريب أو بعيد، وإنما المقصود به حرية أن يفرض المجتمع على المرأة ما يريد، وليس حرية أن ترتدى المرأة ما تريد، ففى الوقت الذى يتم فرض النقاب على النساء تحت دعاوى عدة وتشحذ الهمم والأقلام دفاعاً عن حق المرأة وحريتها فى الغطاء التام الكامل، يتم ابتزاز المجتمع والدولة كاملة كلما جرأ أحد على الاعتراض أو التحذير من زى يغطى المرأة تماماً بدرجة تصل إلى أن تختفى هويتها حيث لا نعرف إن كان تحت الغطاء رجل أو امرأة أو مجرم سفاح، خاصة فى أعقاب جرائم ترتكب تحت الغطاء الكامل للمرأة / الإنسان.
ورغم أن المقابل اللغوى للغطاء التام (النقاب) هو العرى التام، وهو ما لم تفعله الممثلة، إلا أننى لم أرَ أثراً لمثل هذا الشعار فى معركة فستان لم يعرِّ صاحبته تماماً، ولكن التخاذل والترفع عن دخول مدعى الحرية فى هذه المعركة، وقلة ثقافة الممثلة، دفع الممثلة إلى الاعتذار المهين والمذل فى قضية كان يمكن أن تمثل نقاشاً جاداً وحيوياً حول قضية الحرية، فبصرف النظر عن الفستان نفسه ما كان جميلاً أو مناسباً أم لا فهى قضية نسبية تماماً، إلا أنه مثل كثير من الفساتين التى ظهرت بها الكثيرات فى نفس المناسبة ومناسبات أخرى، وبالتالى ما تم خطير من عدة نواحٍ؛ بدءاً من الاعتذار المهين لأنها وجدت نفسها وحيدة فى موقف فرضت عليها قوى متشددة أو مدعية إحساساً قاتلاً بالذنب والعار ولم تجد صوتاً لأشاوس الدفاع عن حق المرأة فى أن تقهر مثلما نسمعهم عندما يفرض عليها التخفى التام.
هذه المعركة أعطت سلطة كبيرة للعبث القضائى بدعاوى حسبة لا أول لها ولا آخر، على الكتاب والمفكرين والمبدعين، وهى أول الخيط فى سلسلة طويلة سنعيشها من دعاوى ضد أفلام ومسلسلات وكتاب ومفكرين، وهو ما كان يحدث بالفعل على استحياء، لكن الآن الساحة اتسعت، أصبح تراجع الممثلة واعتذارها المهين أمراً واقعاً، ولتستعد أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم لمزيد من العبث وإضاعة وقت وجهد وأموال جهات التحقيق والعدالة فى معارك الفساتين والمايوهات.
لذا أرجو من أصحاب الهمم المدافعين بقوة عن حقوق المرأة وحريتها فى الإذعان لفرض الأوامر عليها بالتخفى أن يراجعوا موقفهم بوضوح، هل هم مع حرية المرأة؟ أم مع حرية المجتمع فى قهر المرأة؟
بعد أن تتحدد المواقف، فعلينا عمل لجنة عليا لوضع ميثاق ملابس «درس كود» نقرر فيه ما يجب على النساء وعلى الرجال أيضاً لبسه، وفى هذه الحالة من المؤكد أن الدولة ستستطيع اتخاذ موقف من التعرى الكامل إن كان هناك من تجرأ على ذلك، ومنع التغطى الكامل لمن يفرض عليها ذلك.. وعجبى.