الباعة: نموت تحت عجلات القطارات «عشان لقمة العيش»
محطة «القلج» تحولت إلى إسطبل للخيول والحيوانات
محطة قطار «القلج» التابعة لمحافظة القليوبية، كغيرها من عشرات المحطات على مستوى الجمهورية، ترفع شعار الإهمال سيد الموقف وأرواح المواطنين بلا ثمن، ثلاثون عاماً مرت على إنشاء سوق المحطة لتوفير بعض اللوازم الضرورية لركاب القطار المسافرين، بدلاً من حملها من السوق إلى مسافات بعيدة، إلا أن الحال تغير مع مرور الوقت، وأصبح سوق المحطة هو السوق الرسمى للقرية، وسط تغافل كبير من المسئولين من رئيس المجلس المحلى ونوابه، أو أعضاء مجلس الشعب الذين ينوبون عن مركز «الخانكة» التابعة له قرية القلج.
زحام شديد على محطة «القلج»، يوم «الثلاثاء» من كل أسبوع، لم يتوقف خلالها مرة واحدة، نداءات الباعة على بضائعهم، وأصواتهم المتبادلة مع الزبائن، وانتقال المواطنين بين الباعة لمعرفة أسعار السلع وأيها أرخص وأنسب، وسط مخلفات الباعة من الأقفاص والخضراوات والفاكهة الفاسدة، والرائحة الكريهة من مخلفات الأسماك والطيور، بالإضافة إلى تراكم أكوام القمامة التى يلقى بها سكان المنطقة وسط السوق، والزحام الشديد من الموتوسيكلات «رايحة وجاية» على قضبان السكة الحديد، يمر القطار الذى يربط بين محطتى «26 يوليو - شبين القناطر» بأصوات صافرته المخيفة والمفزعة، فينقسم الباعة إلى فئات، فئة تحاول الهرب لإنقاذ ما يستطيعون من بضائع، وأخرى مستمرة فى عملها، فلم يعد يزعجهم صوت القطار، فقد اعتادوا عليه وألفوه، ولا يلقون له بالاً، وإن كانوا يتحلون ببعض الحيطة والحذر.
«الدكش»: أكتر من 20 واحد ماتوا أمام عينى غير الإصابات الخطيرة التى تصل أحياناً لبتر الساق.. و«سعيد»: محدش بيسأل فينا.. و«صيدلى»: النقل مطلوب لحماية أرواح المواطنين
مطالبات كثيرة بنقل السوق إلى مكان آخر أكثر أماناً، تقدم بها البائعون والسكان إلى المسئولين فى الوحدة المحلية للقرية، حفاظاً على أرواحهم وممتلكات البائعين، بدلاً من تعرضهم لمخاطر التصادم مع القطارات كل مرة، حيث يمر القطار بسوق «القلج» كل نصف ساعة ذهاباً وإياباً، لا سيما مع وجود المكان المخصص لنقل السوق إليه على بعد كيلومتر من مكانه الحالى، إلا أن أحداً من مسئولى المحليات لم يحرك ساكناً، متغافلين عن كل الحوادث التى يتعرض لها الباعة الجائلون والمواطنون بالسوق باستمرار، التى كان آخرها حادث الطفل الذى نجا من موت محقق بعد اصطدامه بالقطار قبل أسبوعين.
«الوطن» انتقلت لرصد حال الباعة الجائلين والمواطنين الموجودين فى سوق القلج لمعرفة آرائهم ومشاكلهم التى يواجهونها.
يقول «سعيد حجاج»، 55 عاماً، بائع طماطم، إنه موجود بهذا السوق منذ بداية نشأته، وتعرض للموت أكثر من مرة تحت عجلات القطار: «ربنا بيسترها مع الواحد كل مرة»، مشيراً إلى أنهم طالبوا مراراً وتكراراً بنقل السوق إلى مكان آخر حفاظاً على حياة الباعة الجائلين والمواطنين، «ولكن محدش بيسأل فينا»، وقال إبراهيم الدكش، 62 عاماً، بائع فراخ، «طالبنا المسئولين بسرعة نقل السوق إلى مكان مخصص له غير المكان اللى إحنا عليه، وذلك حفاظاً على أرواح المواطنين من الخطر الذى يتعرضون له دائماً»، مضيفاً «أنا شفت العجب فى السوق ده وأكتر من عشرين واحد ماتوا قدام عينىّ غير الإصابات الخطرة، وأحياناً تصل للبتر، ولكن ما باليد حيلة، إحنا ناس على باب الله ورزقنا باليوم من أجل لقمة العيش الحلال»، ومن جانبها قالت «ابتسام على» بائعة لفت، 48 عاماً، إنها اعتادت على مكان السوق، ولم تعد تهتم بالقطار على الإطلاق، مؤكدة أنها تتخذه وسيلة للانتقال بين المحطات المختلفة، قائلة «خليهم يسيبونا فى مكانا ده لأننا اتعودنا عليه من زمان وهو مكان رزقنا»، وأشار الحاج إسماعيل عطية، 45 عاماً، بائع فاكهة، إلى أن أهالى المنطقة هم من يقومون بإلقاء القمامة والمخلفات الموجودة بجانب قضبان السكة الحديد وليس الباعة الجائلين، قائلاً «احنا بنضف المكان قبل ما نمشى»، موضحاً أن سكان المكان هم من يرمون القمامة فى السوق، مطالباً المجلس المحلى بتنظيف السوق من المخلفات والقاذورات الموجودة به، حفاظاً على الباعة الجائلين والمواطنين من الروائح الكريهة، إلا أن «الوحدة المحلية نايمة»، وتؤكد «عائشة كامل»، بائعة خضار، 56 عاماً، أن الوحدة المحلية كل مرة تأتى إلى السوق لتحصيل 5 جنيهات من كل فرد من الباعة، ولا ندرى هل هى ضريبة للدولة أو إيجار عن المكان، قائلة «حتى لو أخدوا 10 جنيه بس ينقلونا فى مكان آمن، ومحدش من الباعة الموجودين فى السوق هيعترض على الفلوس دى خالص، بدل من التعرض للحوادث المتكررة كل مرة»، ويكشف السيد ثروت، 40 عاماً، بائع جزر، عن عدم رغبته فى الانتقال إلى منطقة «الرشاح»، حيث إن مياه الصرف الصحى للقرية تحاصر المكان هناك، غير أكوام القمامة الموجودة فى المكان، قائلاً «لو رُحنا الرشاح محدش هيسأل فينا هناك، وقلنا لرئيس المجلس المحلى أكتر من مرة، وصلنا صوتنا للمسئولين ولكن محدش بيسأل فى الغلبان»، وعن معاناة أهالى المنطقة تقول سعاد محمد، 35 عاماً، موظفة بالشهر العقارى، إنها نادراً ما تأتى إلى سوق «القلج»: «بشترى كل متطلبات ولوازم البيت من الخضراوات والفاكهة من مكان آخر»، لافتة إلى أنها لا تأتى إلى هذا السوق إلا للضرورة القصوى فقط، حفاظاً على حياتها وحياة أولادها، وتلتقط الكلام «هاجر حسن» 33 عاماً، ربة منزل، أنها دائماً تأتى إلى هذا السوق هى ووالدتها، وذلك لقرب المكان من منزلها، موضحةً أن السوق توجد به كل المتطلبات التى يحتاجها البيت من خضراوات وفاكهة ولوازم أخرى، معترضةً على نقل السوق إلى مكان آخر، قائلةً «إحنا اتعودنا عليه من زمان ومينفعش ينقلوه مكان آخر»، بينما أبدى محمد إبراهيم 40 عاماً، استياءه من وجود السوق على قضبان السكة الحديد، وبجوار المناطق السكنية، مطالباً بنقل السوق إلى المكان المخصص له فى منطقة «الرشاح» على بعد كيلومتر فقط من هذا المكان، مشيراً إلى أن وجود السوق فى مكانه هذا يعرض الجميع للخطر، ويكشف الدكتور رضوان شقرة، صيدلى 58 عاماً، مقيم بمنطقة السوق، أن الضوضاء والتلوث السمعى والبصرى والروائح الكريهة الناتجة عن مخلفات الأسماك والطيور والخضراوات والفاكهة الفاسدة داخل السوق هى ما يثير غضب كثير من السكان، مشيراً إلى أن كل ذلك يؤثر سلباً على سكان المنطقة، ويتسبب فى انتشار الحشرات والفئران فى المكان، وقد يسبب الأمراض الخطرة لأهالى المنطقة، إلى جانب الحوادث التى نسمع بها ونشاهدها بين الحين والآخر، نتيجة اصطدام أحد الموجودين بالقطار، مؤكداً أن السكان تقدموا بأكثر من مذكرة للوحدة المحلية بالقلج، لنقل السوق إلى مكان آخر خارج التجمعات السكنية، وذلك حفاظاً على المواطنين، ولكن دون جدوى.
«عطية»: الأهالى يلقون القمامة على «الشريط».. والوحدة المحلية «نايمة».. و«ابتسام»: سيبونا فى مكانا مصدر رزقنا و«عائشة»: ندفع 5 جنيهات إيجاراً.. و«رئيس الوحدة»: تم تجهيز مكان آخر بـ«الرشاح» لنقل السوق.. لكن بعضهم رفض الانتقال
وتكشف صباح محفوظ، رئيس الوحدة المحلية بقرية القلج، التابعة لمدينة شبين القناطر، والمسئول عن السوق، أن حوادث التصادم على قضبان السكة الحديد بالمحطة لا تعد مؤشراً مخيفاً بهذا الشكل، مؤكدة أنه تم تجهيز مكان آخر بمنطقة «الرشاح» لنقل السوق إليها، وبالفعل تم تسليم بعض عقود الإيجار لعدد من المحلات التى تم تجهيزها لهذا الغرض، إلا أن بعضهم رفضوا ترك أماكنهم القديمة، نظراً لاعتيادهم عليها لأكثر من ثلاثين عاماً.