صفقة القرن تم طبخها وتسويتها وإنضاجها فى المطبخ الأمريكى الإسرائيلى بين ترامب ونتنياهو وعهد بها إلى «كوشنر» العراب الفعلى لها.
أعلن «كوشنر» أن السرية أساس الصفقة ولن يعلن عن تفاصيلها حتى لا تواجه بالرفض وتتعرض لضغوط تفشلها، ويعنى ذلك أنه لن يعلن عن شىء إلا ما يتم على الأرض، وطبعاً الشعوب العربية آخر من سيعلم لغياب حرية الصحافة والإعلام فيها.
بدأ العد التنازلى للصفقة التى ستختلف عن كل الصفقات الماضية التى بدأت بالجانب السياسى ثم أتبعها الجانب الاقتصادى مثل كامب ديفيد أو أوسلو، ولكن صفقة القرن ستبدأ بالإغراء الاقتصادى الذى يسيل له اللعاب.
أعلن «كوشنر» أن الصفقة ستتم سواءً وافق عليها الفلسطينيون أم لم يوافقوا، وقد اعترضت على الصفقة كل القوى الفلسطينية الفاعلة بدءاً من حماس والجهاد الإسلامى وانتهاءً بفتح و«عباس» مهندس أوسلو.
ويلمح المراقبون بأن أمريكا وإسرائيل ودولاً عربية أخرى ستسعى لإيجاد قيادة بديلة لهؤلاء فى حالة إصرارهم على الرفض، وعلى رأس هؤلاء «دحلان» وستساعد على ذلك حالة «عباس» الصحية المتدهورة.
الصفقة لا تحتوى حل الدولتين «إسرائيلية وفلسطينية»، ولكن دولة واحدة هى إسرائيل، مع إعطاء حكم ذاتى مطور للفلسطينيين، فإسرائيل ستأخذ كل شىء سوى غزة التى لا تريدها أصلاً.
صفقة القرن ليس فيها أى فكرة عن انسحاب إسرائيلى إلى حدود ما قبل 5 يونيو.
الصفقة تمثل الحل النهائى ليس للصراع الإسرائيلى الفلسطينى بل للصراع العربى الإسرائيلى كله، حسب تصور واضعيها، ورغم ذلك فإن الصفقة أسقطت حق العودة لقرابة 6 ملايين لاجئ يمثلون صلب الشعب الفلسطينى، واكتفت بحفنة دولارات تعطيها دول الخليج لأمريكا لتهبها للدول التى يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون.
الصفقة سترسخ وتقنن وضع المستوطنات الإسرائيلية التى ابتلعت معظم أراضى الضفة، فهناك قرابة 800 ألف مستوطن يعيشون فى أرض محتلة حسب القانون والشرعية الدولية، ولكن ستضم بعض المستوطنات الهامشية لبعضها.
الصفقة سترسخ قانون الهوية اليهودية لدولة إسرائيل وهو أكبر قانون عنصرى فى التاريخ كله، ورغم ذلك يصمت العالم كله عليه.
كل المعونات التى تعرضها الصفقة لن تدفع فيها أمريكا أو إسرائيل مليماً واحداً، ولكنها بنص كلام «كوشنر» من دول الخليج وتبرعات أخرى «مثل اليابان وكوريا الجنوبية»، وستفرض عليهم فرضاً. «كوشنر» وأمثاله يظنون أن ثمن فلسطين عدة مليارات من الدولارات، والغريب أنها من أموال العرب، تعطى لأمريكا لتهب بعضها للفلسطينيين كى يتنازلوا عن بلادهم وديارهم، والأموال التى ستعطى للسلطة الفلسطينية لن تنفق إلا برعاية وإشراف إسرائيلى، وما أدراك ما الإشراف الإسرائيلى.
لو كانت أمريكا مهتمة برفاهية الفلسطينيين ما أوقفت عمل الأونروا فى فلسطين، وهل يمكن للاقتصاد الفلسطينى أن ينمو بعيداً عن دولته المستقلة، وهل يمكن للسلطة الفلسطينية أن تبيع فلسطين مقابل دولارات قليلة ستستولى إسرائيل وأمريكا على أكثرها بحجة أو بأخرى.
الصفقة أخرجت القدس تماماً من المفاوضات وقد بدأ ذلك بإجراءات أمريكية معروفة وغير مسبوقة، وبذلك ضاعت القدس كلها من أيدى العرب.
الصفقة عبارة عن إملاءات ترامبية فى صفقة إجبار وإذعان لا خيارات فيها فى أضعف أوقات العرب والمسلمين، وهى سرقة كاملة لفلسطين دون مقابل، وإذا كان الخليج هو الذى سيساعد الفلسطينيين فلمَ لا يساعدهم كما ساعدهم من قبل دون أن يبيعوا فلسطين لإسرائيل؟!، الصفقة ليست تسوية ولكنها تصفية للقضية، وتسويق ما لا يسوق، وتمرير ما لا يمرر، وبيع ما لا يباع، فما طبخه ترامب ونتنياهو للعرب إلا السم بعينه.