تفاصيل آخر جلسة علاج بـ"جرعة كيماوي": فرحة تشبه ليلة العيد
«عبير» مع أصدقائها أثناء الجلسة
ارتدين أفضل ما لديهن، استعداداً لتناول آخر جرعة كيماوى، فرحلة المرض التى بدأت منذ شهور أو حتى سنوات آن لها مع «آخر شكة» أن تنجلى بلا رجعة، وفى شهر التوعية بسرطان الثدى تسرد المتعافيات لـ«الوطن» ذكرياتهن مع آخر جرعة وكيف كانت رحلة مكافحة السرطان.
«بعد 6 أشهر من الجرعات جاء موعد الجرعة الـ15 والأخيرة التى شعرت بعدها أننى ولدت من جديد»، هكذا وصفت التونسية «وداد» شعورها وهى تواجه آخر جرعة كيماوى.
"وداد" ترقص كالأطفال
رغم الوجه الشاحب والرأس الخالى إلا من منابت الشعر، كانت «وداد» ترقص كالطفلة الصغيرة وكأنها ولدت للتو، فور علمها بموعد آخر جرعة وأنها استطاعت أن تقهر عدوها الوحيد: «كنت أتمنى يومها أن توجد أمى وزوجى حتى يشاركننى انتصارى الوحيد».
شعور بالسلام الداخلى والهدوء انتاب السيدة الأربعينية مع خروج الحقنة من الوريد جعلاها تصف مادة الكيماوى بـ«المرعبة». جيران «وداد» وأولادها وأقاربها قدموا لها التهانى قبل آخر جلسة وكأنها عروس تودع العزوبية للأبد، حسب وصفها.
اكتشاف وداد للمرض جاء عقب وفاة زوجها مباشرة، بعد أن اكتشفت شيئاً غريباً فى صدرها، لكنها قررت أن تهمله حتى تلتفت لأولادها وظلت تحتفظ بالسرطان لمدة 3 سنوات: «أخذتنى الحياة مثلى مثل أى أم تونسية وعربية تسعى لتربية أولادها، وبعد ثلاث سنوات صحتى تدهورت والورم كبر، يومها أخذت برد جامد ذهبت إلى الطبيب وطلب منى فحوصات وأخبرنى أن عندى سرطان»، وتستكمل: «آه نسيت أنا قبل ما أروح للطبيب أخذت التحاليل وقرأتها وبعض الكلمات لم أفهمها ترجمتها من الهاتف وعرفت إن عندى سرطان وقلت له عارفة ومفيش داعى تحاول تخبى عليّا، أنا كبيرة ومسئولة عن نفسى وانت عارف يا دكتور زوجى متوفى، فالحمد لله إنه ابتلانى فى بدنى ولم يبتلينى لا فى دينى ولا فى أولادى».
لم تكن أزمة «وداد» مع المرض، بل كيفية إبلاغ أولادها بالمعاناة الجديدة، فظلت تترجل على قدميها فى الطرقات لساعتين: «سافرت للعاصمة لأنى من الجنوب وليس لدينا مستشفيات جامعية وتركت قطعة منى هناك لكن لم أتأثر ولم أشعر بالنقص والآن هزمت الشيطان الأخرس».
وعن الدرس الذى تعلمته السيدة الأربعينية من معاناتها مع المرض قالت: «أعطانى الله قوة وصبراً وعزيمة وإصراراً على الانتصار على هذا العدو الخبيث، فبالإرادة وقوة الشخصية يستطيع كل مريض أن يتغلب على المرض اللعين والحمد لله استطعت أن أكتب معاناتى مع المرض فى قصة قصيرة أطلقت عليها «أنا أقوى من السرطان نشرت فى تونس وقريباً فى مصر».
"سمر" ترتدى فستاناً أبيض
أما سمر المهدى، فكانت تجربتها مع آخر حقنة كيماوى مختلفة كلياً، فعشية الليلة التى سبقت الجلسة ارتدت فستاناً أبيض واحتفلت هى وصديقاتها فى منزل أسرتها والتقطت صوراً تذكارية لتطلع عليها أولادها فى المستقبل بأنها فى تلك الليلة كانت تودع المرض اللعين، كما وصفته.
فى اليوم التالى لم تذهب الشابة الثلاثينية بمفردها لأخذ آخر جرعة كيماوى، بل خرجت وكأنها فى زفة وحولها أفراد عائلتها الذين ذهبوا معها بعد أن استأجروا سيارة «ميكروباص» بالكامل: «أنا فاكرة إحساس آخر شكة حقنة وهى داخلة سبحان الله قلبى كان بيدق مكنتش فاهمة مقبوض ولا فرحان، بس اللحظة دى بنحس إننا رجعنا للحياة مرة تانية»، عِبر كثيرة تعلمتها «سمر» فى رحلتها مع المرض أبرزها أن السرطان لا يتمكن إلا من الضعفاء إنما الأقوياء ينتصرون عليه.
نهاية الرحلة كانت مختلفة عن بدايتها مع عبير الرفاعى، التى قررت أن تذهب لتناول آخر جرعة بدون «الباروكة» لتواجه العالم بأن السرطان ليس جريمة كى تداريها عن أعينهم وهو عكس بدايتها مع المرض، وأنها فور علمها جابت تبحث عن شىء يخفى فروة رأسها بعد أن ينجلى عنها الشعر.
6 جلسات مكثفة لخصت رحلة «عبير» مع الكيماوى، فمنذ الجرعة الرابعة وهى تستعد لإقامة حفل لها ولزملائها وأقاربها الذين حزنوا وبكوا فور علمهم بمرضها.
"عبير" توثق رحلة المرض بالكاميرا
لم يقتصر الاحتفال بآخر جلسة كيماوى على الحفل، بل دعت «عبير» عدداً من أصدقائها المصورين لعمل أكثر من جلسة تصوير، كانت تختار بنفسها الزوايا واللقطات حتى توثق رحلة المرض: «أنا كمان أخدت معايا بيتيفور وأنا رايحة آخر جلسة ودخلت لكل مريضة أدعمها وأقولها نهاية الرحلة هتكونى زيى واقفة على رجليكى»، وتابعت: «أول ما نزلت الشارع عينى كانت بتدور بس على الأطفال، كنت بخاف عليهم من الصدمة، والحمد لله قابلت طفلة بصت لى وابتسمت فاطمأن قلبى»، التخلى عن الباروكة أرادت منه «عبير» أن تعطى دروساً لأبنائها فربما يتزوج ابنها يوماً من عروس وتصاب بالمرض وكذلك ابنتها فكل ما تريده هو زرع القوة بداخلهم وتقبل المرض.
«الناس تراك كما ترى نفسك، فالآخرون يتقبلون من يتقبل نفسه»، كان ذلك أحد الدروس التى تعلمتها «عبير» بعد انتهاء رحلة المرض.