التظاهر حق بمقتضى الدساتير والقوانين فى مختلف دول العالم؛ فوفقاً للتشريعات المصرية فقد ذهبت المادة (73) من الدستور إلى أنه «للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحاً من أى نوع، بإخطار على النحو الذى ينظمه القانون». كما ذهبت المادة الرابعة من القانون المصرى رقم 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم التظاهرات إلى أن «التظاهرة هى كل تجمع لأشخاص يقام فى مكان عام أو يسير فى الطرق والميادين العامة يزيد عددهم على عشرة، للتعبير سلمياً عن آرائهم أو مطالبهم أو احتجاجاتهم السياسية». وبهذا فإذا خرج جمهور التظاهر عن السلمية وارتكب أعمالَ عنف كإلقاء الحجارة أو العبوات الحارقة «المولوتوف» أو أتلف أموالاً سواء كانت عامة أو خاصة، فإن هذه الأفعال تمثل جرائم يتحتم على قوات الأمن مواجهتها ومحاسبة مرتكبيها.
ولقد تابعنا، خاصة هذا العام والأعوام القريبة السابقة، العديد من مظاهر العنف المفرط المصاحب للتظاهرات على المستوى الدولى، فقد خرج متظاهرو حركة «احتلوا وول ستريت» فى أمريكا عن السلمية وقطعوا طرقاً واعتصموا فى ميادين خلال احتجاجاتهم التى بدأت فى سبتمبر 2011، تأثراً باحتجاجات الخريف العربى، وتعاملت الشرطة الأمريكية مع الموقف بحسم وفضت اعتصام «زكوتى بارك»، كما أنهت حالات لإغلاق الطرق المؤدية لبعض موانئ الغرب الأمريكى.
هذا وإذ التزمت بعض التظاهرات بمبدأ السلمية، فإنه فى أحيان كثيرة يتدخل أهل الشر بتحويل المسار السلمى لجمهور التظاهر لأعمال عنف، تواجهها الشرطة بالقيام بإلقاء القبض على من ارتكب تلك الأعمال. ويستغل المتظاهرون رد فعل الشرطة القوى المتناسب مع أعمال العنف ويقومون بنشر لقطات منه على مواقع التواصل الاجتماعى لتأجيج مشاعر المحتجين ضد ردود فعل قوات الأمن فى بعض المواجهات..
وعلى جانب آخر شهدت احتجاجات لندن فى أغسطس 2011 أعمال عنف غير مسبوقة، حيث أضرمت النيران فى ممتلكات خاصة وعامة، ونهبت متاجر ومراكز للتسوق بسبب قتل شرطى أبيض لشاب أسود خارج نطاق القانون؛ وساهمت مواقع التواصل الاجتماعى أيضاً فى حشد وتأجيج مشاعر الجماهير فى هذه الأحداث التى اجتاحت مدن شمال لندن بصفة خاصة. وصرح ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى وقتها بأنه سيفعل كل ما هو ضرورى لإعادة الانضباط لشوارع بريطانيا، وتوعد مثيرى الشغب ومرتكبى الجرائم بعقوبات صارمة، مخاطباً إياهم «ستشعرون بقوة القانون» وأشار إلى تدخل عناصر مخربة فى أعمال التظاهر.. وأن الحكومة قد تأمر إذا لزم الأمر بإنزال الجيش إلى الشوارع لمساعدة الشرطة فى حال تجدد أعمال الشغب، وستزود الشرطة بصلاحيات جديدة، بل أضاف أن الحكومة والسلطات الأمنية تتدارس إمكانية تقييد نشاط مواقع التواصل الاجتماعى (Twitter & Facebook) التى استخدمها المشاغبون لتنظيم أنفسهم؛ وقال قولته الأشهر فى هذا السياق: «لا تحدثنى عن حقوق الإنسان إذا تعلق الأمر بالأمن القومى لبريطانيا».
هذا وعلى غرار ما حدث فى الولايات المتحدة ولندن وغيرهما، لا نستغرب أن نشاهد احتجاجات صاحبها أعمال عنف وتخريب قوية فى هونج كونج، وكذا بالأمس القريب فى إندونيسيا، ولبنان.. وبهذا فإن العنف المصاحب للتظاهرات أضحى ظاهرة عالمية..! ولا نبالغ بالقول إن أخطار الفوضى على الدول أشد وطأة من مخاطر الإرهاب.. لذا فمن الضرورى إيجاد سبيل مشروعة للاحتجاج السلمى لتصبح بديلاً مناسباً للتظاهرات التى تتخذ غالباً تكأة لأعمال العنف والتخريب.