الزمن إحساس أكثر منه وقتاً. فى عالم الكرة على سبيل المثال تجد المعلق الرياضى يصف الوقت الضائع الذى حدده الحكم فى 5 دقائق بأنها ستمر على الفريق الفائز وكأنها 5 ساعات، وعلى الفريق المهزوم وكأنها 5 ثوانٍ!. التشبيه فى محله لأن الزمن بالفعل إحساس أكثر منه وقتاً.إحساس الإنسان بسنوات الطفولة والشباب، لا يماثل إحساسه بسنوات الكبر والشيخوخة. الطفولة والشباب يمضيان سريعاً، وكذا تمضى سنوات الربيع، أما سنوات الكهولة والشيخوخة، فتمر ببطء، يتناسب مع بطء أيام وليالى الخريف.وبغض النظر عن المرحلة العمرية التى يعيشها الإنسان، فقد يشعر أن أياماً أطول من أيام، أو سنوات أطول من سنوات، وعادة ما يرتبط الأمر فى مثل هذه الأحوال بأوقات اليسر والعسر، فإذا كان الزمان يسيراً مضت أيامه بسرعة، وإن كانت عسيرة فالعكس، مرت ببطء، يختلف فى درجته وشدته، تبعاً لمنسوب العسر. بلور هذا المعنى الشاعر أحمد مطر فى بيت الشعر الذى يقول: «إذا كانت الأعمار بالنعمى وباليسر.. فعمرى ليس من عمرى».الإحساس بالزمن يرتبط أيضاً بثنائية «الونس والوحدة». فالونس يسرع بإيقاع الزمن، أما الوحدة فتبطئه، وتجعل الإحساس به أشد وطأة. عبر الشاعر إبراهيم ناجى عن هذا المعنى فى قصيدة العودة، فى بيت الشعر الذى يقول: «وأنا أسمع أقدام الزمن.. وخطى الوحدة فوق الدرج». هذا الإحساس بوقع الزمن هو الذى أصاب الشاعر بالصدمة حين عاد بعد غربته فنظر إلى نفسه وإلى من يحب، وقال: «آه مما صنع الدهر بنا.. أو هذا الطلل العابس أنت.. والخيال المطرق الرأس أنا.. شد ما بتنا على الضنك وبت».وثمة إشارات متنوعة فى القرآن الكريم إلى اختلاف معنى الزمن وامتداداته أيضاً ما بين الحياة الدنيا والآخرة. فمهما طال العمر بالإنسان يظل قصيراً من وجهة نظره. يقول الله تعالى: «قال كم لبثتم فى الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون». ورغم أن المفسرين يذهبون إلى وجود وجهين لمعنى هذه الآية، الأول هو مدة حياتهم على الأرض، والثانى مدة مكوثهم فى القبور، إلا أن التفسير الأول هو الأرجح. وثمة آية أخرى فى القرآن الكريم تشير إلى الوجه الثانى المتعلق بالإحساس بالزمن بعد الرحيل عن الحياة، يقول الله تعالى: «ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة».الزمن عند الله يختلف عن الزمن عند البشر، يقول الله تعالى: «وإنَّ يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون».. ويقول: «تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة».هاتان الآيتان الكريمتان تشيران إلى أن الزمان له علاقة بالمكان والحالة التى يوجد فيها الإنسان. ومصطلح الزمكان أصبح هو المصطلح المعتمد حالياً فى فهم معنى وامتداد الزمن عبر الأماكن، فلا تستطيع أن تفصل بين الزمان والمكان، وما عند الله يختلف، جملة وتفصيلاً، عما فى دنياه التى خلقها، لذلك أى قياسات لأحوال السماء بناء على ما استوعبه الإنسان على الأرض تبقى قياسات خاطئة وغير واعية.