رندا قسيس: المبدعون باحثون عن تجارب مختلفة.. وحل الأزمة السورية سياسي
الكاتبة تؤكد أن السياسة هي المنفذ الفعلي لجميع الأفكار التي تؤمن بها

رندا قسيس
بدأت حياتها فنانة تشكيلية استطاعت إنعاش مرسمها ومدرستها الفنية لتخلق أسلوبًا في الحياة يتوازى مع أفكارها، وعندما شعرت بالحاجة لتغيير مسارها اتجهت إلى دراسة المسرح في باريس، ووجدت فيه ضالتها التي كانت تبحث عنها، وهي الكتابة لتعيد اكتشاف نفسها من جديد.
من حقوق المرأة العربية وكسر التابوهات التي قيدت أفكارها والتعبير عن موهبتها، إلى حقوق الإنسان بشكل عام، ومن حقوق الإنسان لحقوق الحيوان حيث أسست ملجأ للكلاب والقطط الشاردة فى منطقة بيلويونيز اليونانية، وغيرها من الملفات التي حملتها على عاتقها، إنها السياسية والكاتبة السورية رندا قسيس التي تعتبر اليوم أحد رموز الفكر العربي، والتي تسعى إلى إحداث تغيير في واقع المجتمعات العربية.. ومعها كان هذا الحوار:
** في البداية.. من الفن التشكيلي للكتابة ثم العمل السياسي.. محطات كثيرة من حياتك، أي محطة ترين أنها عبرت عن أفكارك وعما تبحثين عنه؟
كلهم أنا.. لكننى أستطيع القول إن المرحلة الحالية وهي السياسة جعلتني أضع جميع الأدوات التي أتقنتها في خدمتها، كي تصبح السياسة المنفذ الفعلي لجميع الأفكار التي أؤمن بها، والتي تطورت ولا تزال في قيد التطور المستمر، وفي نظري، تساعد الإنسان على الارتقاء في فهمه للحياة كي تتلاءم مع المتغيرات المستمرة.
لا شك أن رفضي لكل ما هو مفروض علينا من قبل المجتمع كان المحرك الرئيسي لدي لتحليل السلوكيات بشكل عام والبحث عن وسائل تطويرها من خلال توسيع الإدراك لاستيعاب نماذج ثقافية مختلفة، والذي يقودنا إلى تحرير وعينا من دائرته الضيقة، هذا المفهوم دفعني للبحث عن وسيلة وأداة جديدة في كل مرحلة مررت بها في حياتي لاكتساب تجارب جديدة تساعدني بتطوير أحاسيسي، والتي بدورها تحث إدراكي للقيام بعملية تنظيم وترجمة جديدة للمحسوسات، أما السياسة فهي الأداة الفعلية لتحقيق وتنفيذ الأفكار والرؤى على أرض الواقع من خلال برنامج سياسي.
** ألم يجهدك العمل السياسي.. خاصة بعد سنوات عجاف طويلة؟
بالنسبة لى العمل السياسي هو متعة، فبالرغم من الصعوبات وخصوصًا أن الحالة السورية شائكة والطريق لإنجاح أية عملية تغيير يتطلب مثابرة واستمرارية، فالسياسة كالماراثون يتطلب من جميع مشاركيها التحلي باستراتيجية النفس الطويل والقدرة على التأقلم مع المعطيات الخارجية المتغيرة، كي نستطيع تغيير استراتيجيتنا للوصول إلى الهدف المراد.
أما الرسم فقذ أصبح مرتبطا بحالة نفسية سابقة ومن خصائص هذه الحالة هو التعلق بين الواقع والخيال، فهي حالة الحالم والهائم ككثير من المبدعين الباحثين بشكل دائم عن تجارب مختلفة ليترجموها عبر لوحاتهم بعد مزجها بالخيال.
هذه الحالة لم تعد تمتلكني بشكلها السابق مع أنني أحيانا أشعر بالاشتياق لها من دون أن تكون لدىّ أية رغبة للعودة لها.
** خلال مسيرتك من عالم الفن مرورا بالكتابة ثم السياسة.. كيف كنت تتعاملين مع الصعوبات التي تواجهك؟
لا شك أن الصعوبات لا ولن تنتهي، ولكنها المحرك الأساسي الذي يحثني على الاستمرار وتحديها لتحقيق الأهداف، وهناك اختلاف ما بين الصعوبات الفنية أو الفكرية وبين الصعوبات السياسية، لكنها تتشارك فيما بينها من خلال بيئتها النفسية التى يتم التعامل معها حسب الزمن والوعي المكتسب.
** وماذا عن طبيعة الحل السياسي الذي تحتاج إليه سوريا اليوم؟
أصبحت الأغلبية واعية بأن الحل الوحيد هو الحل السياسي، لكن مازال هناك بعض الأطراف التي تعتقد أن المعركة قد حسمت لتخدم مصلحتها، وما أستطيع قوله إن الانتصار العسكري ليس انتصارا على الواقع، والتغيير في سوريا هو أمر واقع ولا مجال للهروب منه، وخصوصًا أن الاقتصاد السوري محاصر من قبل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، ولا يمكنه الإفلات منها إلا من خلال عملية سياسية، ولا مجال لإعادة الإعمار في سوريا إلا من خلال تغيير سياسي تدريجي.
الحل ليس فقط سوريًا خالصًا بل يتعلق بالدول النافذة في سوريا، ومهمتنا نحن كسياسيين معارضين في سوريا خلق حالة جديدة من خلال ابتكار مبادرات جديدة، وهذا ما نحن قادرون عليه في منصة أستانا، فكما أسسنا عملية أستانا واللجنة الدستورية السورية، أستطيع القول إننا بصدد خلق مبادرة جديدة لكننا ننتظر الوقت المناسب للبدء بها.
أعتقد بل أؤمن أننا سنحقق ظروفًا مناسبة للبدء بعملية تغيير في سوريا مهما طال الزمن، وكما قلت السياسة هي ماراثون يحتاج إلى استراتيجية هادئة طويلة النفس ومدركة للظروف المحيطة المتغيرة.
** بعد الاتفاق الروسي التركي بخصوص شمال شرق سوريا والاتفاق بين الكرد والنظام.. صرحت بأن الاتفاق لن ينفذ وستظل حالة الحرب قائمة وهو ما حدث بالفعل.. ولكن السؤال لا يزال مطروحا إلى متى ستظل حالة الحرب في شمال سوريا على هذا النحو؟
حالة الحرب والتوترات العسكرية المستمرة في الشمال والشمال الشرقي تعكس الحالة السورية الشائكة، كما تعكس الواقع التاريخي بين روسيا وتركيا، فهاتان الدولتان ليستا حليفتين تاريخيتين بل على العكس تماما، فحلفهما هو مجرد حاجة لهما لوقت زمني محدد، وأعتقد أن الحرب مستمرة ما دامت هناك بعض الأطراف التي لم تفهم إلى الآن حاجتها إلى عملية سياسية، بل تعتقد أنها تستطيع القيام بعملية سياسية تجميلية فاشلة لتجاوز الوضع الاقتصادي الراهن.
الحرب ليست المشكلة الوحيدة في سوريا لأن النتيجة واحدة، فبالرغم من النتائج المروعة للحروب، إلا أنها لا تختلف كثيرا عن حالة الانهيار الاقتصادي الذي تسبب للأفراد والمجتمع ولسوريا الحاضر والمستقبل.
** من وجهة نظرك.. كيف يمكن للنظام العلماني الديمقراطي وهو الخط الواضح لسياستك أن يكون هو الحل للخروج من الأزمة السورية؟
الدولة العلمانية هي الدولة الحيادية تجاه جميع المواطنين مهما اختلفت عقائدهم، وهذا ما نحتاجه في سوريا، لأن سوريا هي مزيج من المكونات العقائدية، ولا يمكن الحصول على بيئة منفتحة يمكنها مساعدة الأفراد للنهوض بمجتمعهم وبلدهم من دون إعطاء الحرية للأفراد باختيار ما يجدونه مناسبًا لهم من دون أية تابوهات تفرض عليهم.
لا شك أن الدولة الحديثة لسوريا لن تكون دولة حيادية بل أيضًا دولة تحترم المجتمعات المتواجدة على أرضها وتعطيهم الحق بممارسة إداراتهم ضمن مفهوم الدولة السورية الواحدة.
** وماذا عن قضية إنصاف أكراد سوريا.. التى تعتبر جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع السوري، خاصة في ظل الانتهاكات التي تطاله؟
لا يمكن بناء سوريا الحديثة من دون إنصاف الجميع وبالأخص كرد سوريا، ومازلت منذ البداية وإلى الآن أدافع عن الفيدرالية فى سوريا لأنها الوسيلة الوحيدة كى تتعلم جميع المكونات كيفية التعايش المشترك من دون التطرق إلى حق الأغلبية أو حق الأقليات، وسوريا ومنذ تاريخها القديم هي تلك الجغرافيا التي استوعبت أقواما كثيرة على أرضها.
أعتقد أن الوسيلة الوحيدة للوصول إلى هوية وطنية يشعر من خلالها الفرد السوري بانتمائه إلى هذه الجغرافيا لن يتم إلا بعد تأسيس دولة حيادية لا مركزية تتمتع بإدارات ذاتية ضمن مفهوم تاريخي لسوريا، لتأسيس الحوامل المتينة لهوية وطنية سورية.