بعد قرنين على وقوعها.. ماذا لو لم ينفذ محمد علي مذبحة القلعة؟
أستاذ تاريخ: المماليك كالإخوان لو لم يقتلهم لكانوا قتلوه
محمد علي باشا
منذ نحو ما يزيد على 200 عاما، وفي مثل هذا اليوم الموافق 1مارس عام 1811، وقعت أحد أشهر الأحداث التاريخية في عصر محمد علي باشا، والي مصر في الفترة (1805-1848)، وهي مذبحة القلعة أو مذبحة المماليك، والتي قتل فيها نحو 500 شخص من المماليك، وهي التي تخلص فيها محمد علي من منافسيه على حكم مصر، بشكل نهائي، فهل كان محمد على مضطرا للتخلص من المماليك بهذه الطريقة؟ وماذا لو لم يدبر الوالي المذبحة الشهيرة؟
ويرى الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، في حديثه لـ "الوطن"، أن السياسة خارج منطقة الأخلاق، أي لا يصح أن نفرض على صاحب مصلحة، المعايير الأخلاقية المعروفة في الفلسفة، ومحمد علي باشا كان مضطرا لتدبير هذه المذبحة في 1811، للتخلص من المماليك الطامعين في حكم مصر.
وتابع "الدسوقي"، "عندما تم تعيين محمد علي، واليا على مصر، تم ذلك بشروط منها أنه لا يصدر أمرا أو يتصرف أى تصرف إلا بالرجوع إلى قاضى القضاة وقتها، ووجد نفسه حاكما بدون سلطة، يضاف إلى هذا القيد وجود المماليك لأنهم كانوا يريدون استعادة السلطة لأنفسهم بعد جلاء الحملة الفرنسية في 1801، وبالتالي كانوا يهددونه، حتى أنه كان يطارد المماليك في الصعيد، أثناء مقاومته لحملة فريزر في 1807، أى أنه كان مشتتا لقوته، وعلم أنه لن يشعر باستقرار حكمه إلا بالتخلص منهم بتدبير مؤامرة المذبحة.
وأشار "الدسوقي"، لو لم يتخلص محمد علي من المماليك، لتخلصوا منه، والانقضاض على زمام الحكم، وربما استمرت دولة المماليك، حينا من الدهر، وربما ما كنا رأينا مصر الحديثة التي أسسها محمد علي، خاصة أن محمد علي، قادم من خارج البلاد وليس له حيثية.
وأكد أستاذ التاريخ، أن المماليك ما كان يرضيهم سوى إزاحة محمد على عن الحكم، على غرار الإخوان المسلمين، في الزمن المعاصر، أي أنه لو لم يتخلص منهم هو لسبقوه إلى الأمر، كما أن محمد على لم يكن من الشخصيات التى تقبل أن تكون تحت قبضة قوة أخرى تسيره كما تريد.
وكما جاء في كتاب "تاريخ عصر المماليك"، للمؤرخ عبدالرحمن الرافعى، قام محمد علي بدعوة أعيان المماليك إلى احتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه طوسون على رأس حملة متجهة إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، وقد لبى المماليك الدعوة.
ولم يكد هؤلاء الجنود يصلون إلى الباب حتى ارتج الباب الكبير وأقفل من الخارج في وجه المماليك وتحول الجنود بسرعة عن الطريق، وتسلقوا الصخور على الجانبين، وراحوا يمطرون المماليك بوابل من الرصاص.
أخذت المفاجأة المماليك وساد بينهم الهرج والفوضى، وحاولوا الفرار، ولكن بنادق الجنود كانت تحصدهم في كل مكان، ثم انهالت الطلقات مدوية من أمامهم ومن خلفهم ومن فوقهم تحصد أرواحهم جميعاً بلا رحمة، حتى قيل أن عدد القتلى في هذه الواقعة قارب الخمسمئة.
ومن نجا منهم من الرصاص فقد ذُبِح بوحشية، فقد سقط المماليك صرعى مضرجين في دمائهم، حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث.
ولم ينج كما يقال من هذه المجزرة سوى أمين بك، الذي هرب بحصانه من فوق أسوار القلعة، واختلف حوله المؤرخون، فقيل أنه كان في مؤخرة الركب لما شعر ببداية إطلاق النار قرر الفرار، إلا أنه لم يكن أمامه سوى سور القلعة لذلك أخذ فرسه وقفز به من فوق سور القلعة وسقط حتى اقترب من الأرض قفز من فوق حصانه، ليترك حصانه يلقى مصيره، بينما نجى هو واتجه بعدها إلى بلاد الشام.
أما الرواية الثانية لهرب أمين بك، فتحكي أنه جاء متأخراً إلى الحفل فوجد باب القلعة قد أغلق فشعر بالمكيدة، فأخذ فرسه وهرب به إلى بلاد الشام وخلد قصته جورجي زيدان، في روايته "المملوك الشارد"، بينما كان هناك مملوك آخر يدعى علي بك السلانكلي، لم يحضر الحفلة بسبب انشغاله في إحد القرى، وبالتالي لم ينج سوى هذين المملوكين.