القنصليات.. معركة جديدة في حرب التوتر بين أمريكا والصين
الصين تسيطر على القنصلية الأمريكية في تشنجدو
وزارة الخارجية الصينية
تزايد التوتر بين الولايات المتحدة والصين، اللتين تخوضان حرباً تجارية وذلك في كثير من القضايا ومن بينها وباء كورونا المستجد "كوفيد 19" والقانون الأمني الذي فرضته الصين في هونج كونج، وكان آخر قضايا التوتر بين البلدين تمثل في القنصليات
وسيطرت الصين، اليوم، على مقر القنصلية الأمريكية في مدينة تشنجدو بجنوب غرب البلاد بعدما أمرت بإغلاقها ردا على طرد موظفي القنصلية الصينية في مدينة هيوستون بولاية تكساس الأمريكية.
وجاءت السيطرة على القنصلية في خضم تصاعد حاد للتوتر بين أكبر اقتصادين في العالم والذي بدأ برؤية موظفين بقنصلية الصين في هيوستون وهم يحرقون وثائق في فنائها يوم الثلاثاء الماضي قبل ساعات من إعلان بكين أنها تلقت أمرا بإخلاء المنشأة، وفقا لما نشرته وكالة "رويترز".
وأعلنت وزارة الخارجية الصينية، في بيان اليوم: "في الساعة العاشرة من صباح 27 يوليو (بالتوقيت المحلي)، تم إغلاق القنصلية الأمريكية العامة في مدينة تشنجدو، كما طلبت الصين، ثم دخلت السلطات الصينية المختصة من المدخل الأمامي، وتسلمت المبنى".
الخارجية الصينية: لا نريد استمرار الأمور في التصاعد بهذه الطريقة
وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط في تقرير، أن الأمر ينذر بحرب دبلوماسية أوسع بين البلدين. وتعد القنصلية الأمريكية في تشنجدو الوحيدة في غربي الصين والأكثر أهمية نظرا لقربها من منطقة التبت ذاتية الحكم في جنوب غربي الصين، وتعمل العديد من الشركات الأمريكية في تلك المنطقة. وألقت الخارجية الصينية باللوم والمسؤولية على الولايات المتحدة، مؤكدة أنها لا تريد أن تستمر الأمور في التصاعد بهذه الطريقة.
وقالت الخارجية الصينية، في بيان "المسؤولية تقع بالكامل على الجانب الأمريكي ونحث مرة أخرى الجانب الأمريكي على إلغاء قراراته الخاطئة ذات الصلة لتهيئة الظروف اللازمة لعودة العلاقات مرة أخرى إلى طبيعتها". وتتهم واشنطن بكين بانتهاكات حقوق الإنسان في هونج كونج وتقييد الحريات واضطهاد الأقليات والقيام بعمليات التجسس وسرقة الملكية الفكرية والمعلومات التجارية والطبية من المؤسسات الأمريكية، إضافة إلى الاتهامات بالتسبب في جائحة كورونا المستج د"كوفيد 19"، إلا أن التوترات بلغت منحنى جديدا بعد إغلاق القنصلية الصينية باعتبارها خطوة غير مسبوقة وتدل على التدهور الحاد في العلاقات.
من جانبها، بررت الإدارة الأمريكية، إقدامها على خطوة إغلاق القنصلية الصينية في هيوستن، بسبب ما وصفته بمحاولات الصين القيام بعمليات تجسس وسرقة معلومات تجارية وطبية تتعلق بأبحاث معملية أمريكية للتوصل إلى لقاح لجائحة كورونا المستجد. وأكدت مسؤولة بوزارة العدل الأمريكية أن الصين استأثرت بحصة كبيرة من قضايا التجسس وسرقة الأسرار التجارية بلغت 80 % من إجمالي قضايا التجسس لدى الوزارة.
وقالت مسؤولة وزارة العدل: "من المفهوم أن القنصليات تقوم ببعض الأنشطة للحصول على المعلومات لكن القنصلية الصينية في هيوستن تجاوزت حدود ما يمكن قبوله وقامت بأنشطة موسعة ورغم أنها أنشطة لا تخضع بالضرورة لتوجيه تهم جنائية نظرا للحصانة الدبلوماسية للقنصليات، إلا أن أنشطة القنصلية الصينية في هيوستن كانت من أسوأ الأنشطة الخبيثة وعملت على سرقة أبحاث متعلقة بالحصول على معلومات تخص الأمن القومي الأمريكي".
مسؤول أمريكي: إدارة ترامب تعمل لإعادة التوازن في العلاقات
وأوضح مسؤول بالخارجية الأمريكية، أنه لهذا السبب كان من الضروري التحرك لإغلاق القنصلية، معتبرا الخطوة بمثابة رسالة واضحة للصين أن الولايات المتحدة جادة وأن استهداف قنصلية هيوستن لم يكن اختيارا عشوائيا، وأن إدارة ترامب تعمل لإعادة التوازن في العلاقات.
من جانبه، هاجم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الصين والحزب الشيوعي الصيني، وقال: "نحن بحاجة إلى استراتيجية تحمي الاقتصاد الأمريكي وأسلوب حياتنا، والعالم الحر يجب أن ينتصر على هذا الاستبداد الجديد". وأضاف بومبيو - في خطابه المتشدد الذي يلخص رؤية الإدارة الأمريكية للطموحات الصينية - "لقد فتحنا أذرعنا للمواطنين الصينيين فقط لرؤية الحزب الشيوعي الصيني يستغل مجتمعنا الحر المفتوح، إن هذا النموذج من التعامل الأعمى مع الصين يجب أن يتوقف".
وتعقيبا على هذه التصريحات الأمريكية، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية: "ما يفعله بومبيو عقيم وهو مثل نملة تحاول هز شجرة لقد حان الوقت ليتقدم جميع محبي السلام حول العالم لمنعه من إلحاق مزيد من الأذى بالعالم".
وكانت العلاقات بين واشنطن وبكين قد شهدت الأسبوع الماضي تصاعدا جديدا في التوتر على خلفية تصريحات ستيف بانون كبير المستشارين الاستراتيجيين للبيت الأبيض سابقا، بأن لدى الرئيس دونالد ترامب "خطة حرب" متكاملة لمواجهة الحزب الشيوعي الصيني، وضع هذه الخطة "المجلس الحربي" الذي يضم مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، ورئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والمدعي العام وليام بار.
وكشف بانون، أن "هؤلاء الأربعة وضعوا خطة حرب متكاملة ومتماسكة لمواجهة الحزب الشيوعي الصيني في الحرب التكنولوجية والمعلوماتية والحرب الاقتصادية، للانتقال بعد ذلك مع حلفاء أمريكا إلى فتح بحر الصين الجنوبي، ودعم حلفائها في الهند على حدود التبت التي تحتلها الصين"، معتبرا أنه حان الوقت للتوقف عن "اللعب مع الحزب الشيوعي الصيني"، مؤكدا أنه يجب مطالبة بكين بتقديم كل المعلومات والوثائق المتعلقة بالفيروس وفتح المختبرات والسماح للعلماء الأمريكيين والأجانب بدخولها ومحاورة موظفيها، تحت طائلة مواجهة عواقب قاسية، تشمل قطع الصين عن الدولار الأمريكي وفرض عقوبات على القيادة الصينية بمن فيهم الرئيس شي جين بينج.
وواقع الأمر أن ملامح هذه الخطة الأمريكية الجديدة بدأت تتبلور معالمها، بعدما كشفت أستراليا عن نيتها للسير في ركب الولايات المتحدة بشأن حديث الصين عن حقوقها في بحر الصين الجنوبي، وقالت أستراليا في إعلان لموقفها قدمته للأمم المتحدة في نيويورك مؤخرا إنها ترفض أيضا مزاعم الصين بأحقيتها في السيادة البحرية حول جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، باعتبارها متعارضة مع معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار.