100 حالة ولادة يومياً فى «الحسين» و«السيد جلال» فقط
بطون ممتلئة تخرج خاوية، عملية دورية لا يخلو منها مستشفى خاص أو حكومى، فضلاً عن العيادات الخاصة، ورغم الحوادث التى تمتلئ بها المواقع وصفحات الجرائد من إهمال المواليد وحالات الوفيات بينها، فإنها تظل دوماً نقطة فى بحر زيادة مطردة، لا يشعر بها إلا الساعة السكانية باعتبارها موكلة بالتسجيل، والحكومة باعتبارها المسئولة عن توفير رعاية وخدمات لكل هؤلاء المواليد.
فى المستشفيات الحكومية يبقى العبء ثقيلاً إلى حد المعاناة، وتبقى الخدمة -مهما بلغت- ضعيفة إلى حد الشكوى، ففى مستشفى الحسين الجامعى وسيد جلال الجامعى، التابعين لجامعة الأزهر، تتكلف عملية الولادة القيصرية 100 جنيه فقط لا غير، بينما تدخل حالة الولادة الطبيعية وتخرج ولا تتكلف سوى مجاملات طاقم التمريض، بينما تتكلف رعاية المولود قبل خروجه من غرفة العمليات وتسليمه لأسرته أكثر من 500 جنيه كمثيلتها فى أى مستشفى خاص.. النظر إلى طابور الانتظار أمام أقسام النساء والتوليد يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مصر قد عادت لعصر «أفواه وأرانب».
د.إسماعيل عويس، مدير عام مستشفيات جامعة الأزهر، يعلل طفرة الزيادة السكانية فى السنوات الأخيرة بسبب واحد «مفيش سوزان مبارك». «100 حالة ولادة» يومياً، رقم ضخم تزايد فى الأعوام الأخيرة فى أعقاب ثورتى يناير ويونيو بحسب رؤية أحد خبراء الصحة المعروفين على مستوى العالم. يؤكد «د.عويس» أن هناك انخفاضاً ملحوظاً فى الحملات الإعلامية لتنظيم الأسرة التى كانت قد لاقت رواجاً وحققت تأثيراً ملحوظاً فى المناطق الريفية إبان حكم الرئيس المعزول حسنى مبارك: «محدش يقدر ينكر إن كان فيه تركيز من الرئيس السابق على الزيادة السكانية وللأسف اليوم نجنى ما حذرنا مراراً من زرعه».
«عويس» أكد، لـ«الوطن»، أن هناك إهمالاً كبيراً فى ملاحظة حجم الزيادة السكانية المطردة وكونه يصل لتلك المعدلات المرتفعة هو وضع طبيعى لسنوات من الإهمال: «المستشفيات مش وحدة صحية.. صحيح أن عندنا عيادات لتقديم خدمات الأسرة بجوار النساء والتوليد لكن هذا ليس اختصاص المستشفيات العامة وليس دور أطباء مستشفيات الولادة، لكنه دور الوحدات الصغيرة وحملات التوعية التى كانت توجه للقرى والأرياف، والمناطق العشوائية، وتقدم خدمات مجانية للنساء وتثقف الرجال لكن مع الأسف هذا النشاط قد اندثر فى الدولة».
العدد الضخم للمواليد يومياً الذى يتخطى حاجز 70 آلاف مولود فى اليوم، قريباً سيحتاج عدداً أكبر من المستشفيات لخدمته وهى زيادة تقدر بحوالى 20% سنوياً زيادة فى عدد المستشفيات وتطويراً فى المستشفيات الحالية وتوسيعها، د.إسماعيل عويس يؤكد أن وزارة الصحة فى أفضل مراحلها الآن فى مجال تطوير المستشفيات: «الوزير كل يوم بيفتح مستشفى أو قسم أو تطوير رعاية أو طوارئ وده نشاط ملحوظ للجميع واحنا بنحاول نعمل توأمة بين المستشفيات الحكومية وبين مستشفيات الأزهر من أجل مزيد من تطوير الخدمات».
العبء الذى تتحمله المستشفيات الحكومية فى مواجهة الزيادة السكانية هو الأكبر من وجهة نظر مدير مستشفيات الأزهر، فغالباً ترتبط معدلات الكثافة السكانية العالية بالأماكن الأكثر فقراً والأقل توعية وهو ما يتسبب فى ازدياد حجم الأمراض وانتشارها وبالتالى فإن عدد المستشفيات المطلوب توفيرها فى هذه المناطق قابل للمضاعفة خلال خمس سنوات: «خطة وزارة الصحة فى بناء المستشفيات يجب أن تضع فى حسبانها الأماكن المحرومة من الرعاية والأكثر فقراً، وتضع فى حسبانها أيضاً عاملاً لا نستطيع السيطرة عليه وهو الزيادة السكانية، التى تجاوزت فى أسبوع 39 ألف مولود.. أى دولة فى العالم بيحصل فيها ده وهى فى ظروفنا من انهيار بنية تحتية ومطالبات بتبرعات تعيد البناء من جديد؟».
الزيادة السكانية من وجهة نظر «د.عويس» سلاح ذو حدين، فهى من الممكن استغلالها بشكل جيد إذا تم خروج الجماعة المصرية من الوادى الضيق والتوسع فى المساحة الكلية لمصر كما هو مخطط له الآن: «المشاريع القومية فى السويس والساحل الشمالى كلها بتخدم فكرة الخروج من القاهرة، وهذا فقط هو ما سيسهل استغلال تلك الزيادة بشكل جيد فى توسيع الرقعة الزراعية والصناعية، لكن لو ظل التفكير على حاله، ولم يخرج المصريون خارج الصندوق، لن تورث هذه الزيادة سوى الفقر، ولن يجدوا دولة يحتمون فيها ويطالبونها برعاية صحية وتعليم ومرافق وخدمات».