شتان الفارق بين أحداث ونتائج يوم 25 يناير 1952، وأحداث ونتائج يوم 25 يناير 2011.
ففى يوم الخامس والعشرين من يناير عام 1952 سطر نخبة من مخلصى مصر وأبنائها من رجال الشرطة، وبأحرف من نور، وقائع ملحمة بطولية فى مواجهة القوات البريطانية فى مدينة الإسماعيلية ستظل خالدة على مر التاريخ.
أما فى يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2011 فقد سطرت مجموعات من أبناء مصر، من المخلصين وغيرهم، وبأحرف بارزة أيضاً، ولكن ليس كلها من نور، سطروا أحداثاً ستظل راسخة فى الوجدان العام لعقود طويلة، وتراوحت الأهداف من وراء تلك الأحداث ما بين مساعٍ مخلصة لتغيير حال المجتمع للأفضل، ومحاولات مأجورة مدفوعة لهز كيان هذا البلد وإضعافه!
أحداث الخامس والعشرين من يناير عام 1952 كانت واحدة من أهم المقدمات التى مهدت لإحداث التغيير الجوهرى الأهم الذى شهدته مصر فى النصف الثانى من القرن الماضى، هذا التغيير الذى صنعه الضباط الأحرار، وسرعان ما أيده ودعمه غالبية أبناء الشعب المصرى.. هذا الحدث كان ثورة يوليو 1952، وتحولت مصر بعده من دولة محتلة محكومة بأجانب منذ مئات القرون، إلى دولة يحميها أبناؤها لأول مرة، وربما يختلف كثيرون حول مدى نجاح ثورة يوليو 1952، ولكنى أعتقد أنه لا أحد يختلف على حدوثها.. أو هكذا أرى.
على الجانب الآخر، مهدت أحداث يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2011، وبعد أن تراجعت إلى حد كبير وربما اختفت تماماً الوجوه والمجموعات والعناصر الطاهرة المخلصة، التى كانت تمثل وتنتمى للعديد من فئات الشعب المصرى، خاصة الشباب، وكانت تطالب بتحسين الأوضاع، مهدت لحدوث أكبر عملية سرقة واستيلاء على أحلام ووجدان وتطلعات الشعب المصرى فى التاريخ الحديث والمعاصر، حينما رفعت جماعة الإخوان الإرهابية رداء المظلومية والادعاء بتمثيل الله سبحانه وتعالى فى الأرض والتبعية المتفردة له، أيضاً استخدمت كل قواها التنظيمية والسياسية المتراكمة كتنظيم سرى ظل يعمل فى الخفاء أكثر من سبعين عاماً، فى الإيقاع بغالبية السياسيين، فانساق غالبيتهم، بوعى وبدون، وبهدف تحصيل مكاسب سياسية وبدون، فى حبائل الجماعة التى سرعان ما أظهرت نواياها وأهدافها الحقيقية، وهو الجلوس على كرسى حكم مصر، وأعلنت آنذاك أنه لا مكان بجوار قادتها فى إدارة شئون البلاد إلا لقادة وكوادر الجماعة.
فى الخامس والعشرين من يناير عام 1952 كان رجال الشرطة فى مدينة الإسماعيلية على موعد مع القدر لإعلان موقفهم وتضامنهم مع باقى فئات الشعب المصرى ضد الاحتلال البريطانى، ذلك الموقف الحاسم الذى سبق أن أعلنه الشعب المصرى بمختلف فئاته، عقب إصدار رئيس الوزراء مصطفى باشا النحاس، زعيم حزب الوفد، يوم الثامن من أكتوبر عام 1951 قراراً بإلغاء معاهدة سنة 1936 التى لم تحترمها الدولة المحتلة بريطانيا العظمى، وظلت خمس عشرة سنة، منذ توقيع المعاهدة، تماطل فى الرحيل عن مصر ومنحها الاستقلال، إلغاء المعاهدة كان بمثابة إقرار برفض وجود قوات الجيش البريطانى على أرض إقليم قناة السويس واعتبارها قوات غازية، وتطوع مئات الآلاف من أبناء الشعب للتطوع فى النضال ضد الوجود البريطانى فى إقليم قناة السويس، وهناك كانت قوات الشرطة تدعم كل الفدائيين الذين وفدوا من كل بقعة من بقاع مصر للنضال ضد الإنجليز، وسهلت قوات الشرطة تنفيذ المئات من العمليات الفدائية التى راح ضحيتها العديد من ضباط وجنود الجيش الإنجليزى بين قتيل ومصاب.. حينها استشاط قائد الجيش البريطانى أكسهام وقرر إخراج قوات الشرطة من الإسماعيلية، ولكن قائد القوات، النقيب مصطفى رفعت، رفض إنذار أكسهام، وظل يكافح القوات البريطانية مع جنوده إلى أن استشهد خمسون منهم فى تلك المعركة الخالدة فى تاريخ مصر، والتى اتبعها المصريون فى اليوم الثانى 26 يناير 1952 بالخروج للشوارع تضامناً مع قوات الشرطة وشهدائها، يومها أحرق الإخوان القاهرة كعادتهم فى ركوب أى حدث، وكانت أحداث الإسماعيلية والقاهرة فى اليوم التالى الشرارة التى دفعت ثوار يوليو إلى التعجيل بتحركهم نحو أربع سنوات، واختصار مدة الإعداد للثورة إلى أقل من ستة شهور قامت بعدها ثورة يوليو 1952 ليتغير وجه الحياة على أرض مصر تماماً.
وعند هذا الحد نكتفى بالمقارنة بين أحداث ونتائج يوم الخامس والعشرين من يناير عام 1952 وأحداث ونتائج يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ونكرر ونقول شتان الفارق!