الأسطوانات القديمة.. بين "شطارة الهاوي" و"جشع التجار"
الأسطوانات القديمة.. بين "شطارة الهاوي" و"جشع التجار"
صورة أرشيفية
"جرامافون، أوديون، بيضافون، ميشان، وبوليفون".. أسماء لشركات بيع الأسطوانات القديمة، قد تعتبر "أنتيكة" في وقتنا الحاضر، لكنها ليست غربية على مسامعنا، وحاليا انتهى عصر المنافسة للحصول عليها، وبدأ عصر آخر، أبطاله هم هواة جمع الأسطوانات القديمة، من السميعة والتجار وأثرياء الخليج.
وبين الأغاني والقصائد وتلاوة القرآن والإنشاد الديني، وأسواق الأنتيكات، يتشكل تاريخ مليء بالفن الشرقي، بدءًا من أواخر القرن التاسع عشر حتى وقتنا الحاضر، حيث دخلت شركات الأسطوانات مصر، في أواخر القرن التاسع عشر، بعد أقل من مرور عقدين على اختراع توماس أديسون "الجرامافون"، ويعتبر عبده الحامولي ويوسف المنيلاوي، أصحاب أقدم تسجيلات على الأسطوانات التي كان يطلق عليها اسم "كبايات" وكانت تصنع من الشمع، وفي عام 1958، أسس محمد فوزي أول شركة مصرية لتسجيل الأسطوانات تحت اسم "مصر فون".
واصلت الأسطوانات رحلة الاختفاء مع التطور التكنولوجي وظهور شرائط الكاسيت، ومع ظهور التسجيلات الكهربائية حدثت نقلة كبيرة في عالم الأسطوانات، ودخلت التقنية الجديدة إلى مصر مع شركة كولومبيا، والتي تميزت بالنقاء، لكنها كانت ذات عمر قصير وعندما تستهلك بكثرة تصبح مزعجة جدًا ولا تصلح للسمع، وانتهت صناعة الأسطوانات مع انتشار الراديو، ودخول السينما الناطقة مصر، حيث انخفضت بعدها مبيعات الأسطوانات بشكل واضح.
يقول محمود زين، وهو أحد تجار الأنتيكة في وسط القاهرة، ومن سميعة التراث ويهوى جمع الأسطوانات القديمة، لـ"الوطن": "هوس جمع الأسطوانات يشبه الغواية، بمجرد الدخول في هذا العالم، هتلاقي نفسك وصلت لأعماقه، من ألحان وأداء مبدع".
يوضح زين، أن الباحثين في التراث الموسيقي، والتجار من جامعي الأسطوانات من العديد من الدول، هم أول زواره، حيث يكتظ مخزنه بكل ماركات الفونوجراف التي عرفتها مصر، ولديه أيضا أجهزة عديدة من البيك أب والمسجلات القديمة، إضافة إلى أعداد هائلة من شرائط الكاسيت.
يعتقد زين أن السميعة الأصليين اختفوا، موضحًا، "الناس اللي ليهم في الطرب تقريبا اختفوا من مصر، ومعظم السميعة اللي بيزوروني من الخليج".
يمتلك زين نسخة مصورة من أرشيف الأسطوانات المودعة بدار الكتب، يستخدمه في السعي لاستكمال الناقص من مجموعات أساطير الطرب القدامى، وأكد أن المتداول والموجود بالفعل من هذا الكم من التراث، يصل إلى نحو 88%، كما يصل حجم المتاح منه على شبكة الإنترنت أقل من 50%.
وتحدث عصام كافوري، وهو أحد هواة جمع الأسطوانات القديمة، ومؤسس راديو "مصرفون"، ومن أعضاء منتدى سماعي للتراث الغنائي الشرقي، لـ"الوطن"، قائلًا إنه يرى أن حجم التراث المتاح على مواقع ومنتديات التراث الغنائي المختلفة، لا يتعدى 20%، تم تجميعه بفضل مجهودات الهواة.
يلتقي كافوري بهواة الأسطوانات عند الدكتور محمد الباز أشهر الهواة، والذي يمتلك أكبر مكتبة أسطوانات في مصر، وتضم أكثر من 3000 أسطوانة، ولديه أكثر من 20 جرامافون.
يقول كافوري، عن سوق الأسطوانات القديمة: "أسواق الأشياء القديمة ما زالت تفاجئنا بأسطوانات نادرة، اشتريت أسطوانات مهمة لأم كلثوم من سوق الثلاثاء في الزقازيق، كما اشترى الدكتور محمد الباز عدد من أسطوانات سليمان أبو داوود، وهو مغني مصري يهودي من أساطير الطرب في بداية القرن الـ20".
يعاني كافوري من جشع تجار الأنتيكة، ويعتبر طمعهم ورغبتهم في الحصول على المال بأي طريقة، أحد أهم أسباب اندثار واختفاء تراثنا الفني والثقافي.
ويضيف: "التراث الغنائي لا يوجد فقط في القاهرة والإسكندرية والمدن الكبيرة، ما زالت بيوت الأعيان في مراكز وقرى مصر تحتوي على الكثير، وكل واحد وشطارته لو لقى أسطوانة نادرة وحالتها جيدة، مصر فيها كنوز من التسجيلات القديمة، ترجع إلى بداية القرن العشرين، فهناك مثلا تسجيلات للقرآن من سنة 1905".