«المعمورة».. «يوتوبيا» قديمة تتحول إلى «كابوس»
حلم «المدينة الفاضلة» تبخر أمام التعديات الصارخة
تحول حلم الحياة فى المدينة الفاضلة الذى طالما راود أهالى مدينة «المعمورة الشاطئ» السكنية بالإسكندرية، والذى دفعوا من أجله ملايين الجنيهات، إلى كابوس، بعد أن حاصرتها الأزمات. أكياس القمامة فى الأركان وتراكمات الصرف الصحى فى الشوارع وضوضاء أغانى المهرجانات والشعبيات، لم تكن وحدها ما يطارد مرتادى «المعمورة الشاطئ»، بل زادت لتصل إلى محاصرة المبانى شاهقة الارتفاع لهم فى مخالفات بناء جديدة، لتكمل المشهد القاتم لاختفاء المساحات الخضراء وتحول الشواطئ إلى «مقاهى» شعبية عقب غروب الشمس من كل يوم.
السكان يصرخون: دفعنا ملايين لكى نبتعد عن المشاكل فحاصرتنا القمامة والصرف الصحى ومخالفات البناء
«الوطن» رصدت ملامح ضياع الحلم الجميل باستمرار المعمورة كـ«يوتوبيا» الإسكندرية، والذى يبدأ من تحول الممشى التاريخى الذى اشتهرت به لطريق عشوائى للعب الكرة وسباق الدراجات وافتراش الملايات على الجانبين، وإصابة المبانى بشروخ مع عدم وجود أى ترميمات من جانب الشركة المالكة، وحصار ارتفاعات المبانى الشاهقة للشاليهات بالمخالفة للقانون الذى حدد ارتفاع 4 أدوار فقط للمبنى.
كما رصدت «الوطن» اختفاء المساحات الخضراء واحتلال المبانى محلها، وتأجير الشواطئ وتحولها إلى «مقاهى» شعبية بعد المغرب، وفرض ما سماه أصحاب الشاليهات والوحدات بـ«الإتاوة الشيك» فى الرسوم السنوية.
«حلمنا فى التسعينات بالعيش فى المدينة الفاضلة حيث الأمان والهدوء والراحة والهواء النقى بعيداً عن صخب المدينة، لكن استيقظنا على كابوس»، هذه كلمات أميرة محرم، إحدى بنات أسرة السلحدار إحدى أسر الأعيان فى فترة ما قبل ثورة 23 يوليو 1952، تعبيراً عن الموقف قبل أن تحاصرهم الأزمات. وأضافت: كيف نجد أكوام القمامة بجوار الصناديق المخصصة لنا وكأننا فى حوارى الإسكندرية القديمة، وكيف لمياه الصرف الصحى أن تغمر الشوارع بهذه الطريقة؟
ويستطرد عادل كريم، رجل أعمال ومن سكان المعمورة: شركة المعمورة للتعمير والتنمية السياحية قدمت مزايا عديدة فى بداية تعاقدنا معها وشراء الوحدات السكنية، إلا أن تلك الامتيازات انتهت لنجد أنفسنا مضطرين لدفع أموال للحصول على خدمات. وتابع: الشركة فرضت رسوماً سنوية على الملاك بشكل غير رسمى مقابل منحهم عدداً كافياً من الكارنيهات المجانية أو بأسعار لا تتعدى تكلفة الطباعة، وهو ما وافقوا عليه طواعية للمساهمة فى تحسين المنطقة.
وقال أحمد عبدالجواد، لواء شرطة سابق، 72 سنة، وأحد سكان المعمورة: «دفعنا ملايين علشان نبعد عن المشاكل فحاصرتنا الأزمات، القمامة والصرف والضوضاء ومخالفات البناء تطاردنا، واختفاء المساحات الخضراء وتحول الشواطئ لمقاهى شعبية أهدر الحلم الجميل». واستنكر «عبدالجواد»، ما وصفه بتساهل الشركة مع مرتادى المنطقة من غير ملاك الشاليهات، الذين يُسمح لهم بالدخول مقابل تذكرة سعرها 15 جنيهاً، مؤكداً أن ذلك ساهم فى وجود بلطجية بصحبة كلابهم، متسببين بذلك فى أضرار لأهالى المنطقة، مطالباً الشركة بضبط الوضع وحمايتهم.
وأضاف: يتم إخلاء الشاطئ عقب أذان المغرب لتأجيره لأصحاب المقاهى، ويُمنع الملاك من الوجود فيه، وهو ذات الوقت الذى يتحول فيه الممشى إلى طريق للهو بالدراجات والسكوتر ولعب الكرة والتحرش بالفتيات بعد أن كان مخصصاً لممارسة الرياضة. وأشار إلى تقدم أصحاب الشاليهات بشكاوى إلى ميرفت حطبة، رئيس الشركة القابضة للاستثمار، ومصطفى الصياد، رئيس شركة المعمورة للتعمير والتنمية السياحية، إلا أن الشركة لم تستجب لأى من طلباتهم.
من جانبه، يقول الدكتور شريف كمال عامر، رئيس مجلس إدارة جمعية النهوض بمجتمع المعمورة الشاطئ، لـ«الوطن»، إن 4 آلاف أسرة تمتلك وحدات سكنية وشاليهات تقيم فيها بشكل دائم طوال العام، بخلاف المصطافين الذين يوجدون خلال فترات الصيف فقط. وأضاف «كمال» أن التراث المعمارى لمدينة المعمورة يضيع، إذ إن العقارات عند التعاقد كانت لا تتعدى الـ4 طوابق فقط، إلا أن الارتفاعات الشاهقة بدأت تغزوها بدون الالتزام باللوائح فيما يخص أطوال المبانى وتخصيص مساحة لزراعتها حول كل منها كما ينص العقد.
وحذر رئيس مجلس إدارة الجمعية من تحول المنطقة خلال سنتين على الأكثر إلى كتل خرسانية جامدة مع اختفاء المساحات الخضراء المميزة. وتابع: نطالب بحل أزمات المعمورة الشاطئ، ونعرض على الشركة المالكة المساهمة فى ذلك ودفع مبالغ مالية تمكنهم من القيام به، إلا أن أحداً لا يكلف نفسه عناء الرد. وأضاف: فى بداية التعاقد وامتلاك الوحدات شعرنا وكأن حلمنا فى الهدوء والأمان وتوافر الخدمات بعيداً عن أزمات المدينة قد تحقق، إلا أن الوضع اختلف فى السنوات الأخيرة بعد سوء الخدمات وتضييق الشركة.
واتهم «كمال» الشركة بمخالفة المواد رقم «99» و«35» و«33» من الدستور المصرى الذى يحمى الملكية الخاصة للأفراد، وذلك بعد مطالبتهم للملاك باستخراج كارنيهات بصورة شخصية للدخول من البوابات بقيمة 30 جنيهاً لكل فرد، بالمخالفة لعقود الملكية المحررة للملاك التى لم تنص مطلقاً على أن دخولهم للمنطقة أو وحداتهم السكنية مقابل رسوم. وأشار إلى أن الشركة اشترطت على كل مالك تحرير استمارة باسمه وأقاربه من الدرجة الأولى فقط مع مستندات إثبات، وذلك لاستخراج كارنيه بصورة مقابل رسوم بلغت 50 جنيهاً، بالإضافة إلى دخول الشاطئ بكارنيه مقابل 750 جنيهاً لكل فرد من أفراد الأسرة.