اقتربت الانتخابات الرئاسية، وبدأ معها «المولد» من الباحثين عن دور، أو هؤلاء الذين يعتبرونها فرصة، ليس لإرساء تجربة ديمقراطية، ولكن للحماية من الملاحقة القضائية، بالإضافة إلى البعض الذين اعتبروا الانتخابات إحدى أدوات الشو الإعلامى تحت مسمى «المرشح المحتمل»، (كما فعلت سما المصرى فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة حين أعلنت عن ترشحها ثم اختفت»، وبالتالى لن يجد الشعب المصرى فى ورقة الاختيار كثيراً من الأسماء، وتظل الدولة تدفع من استقرارها وسمعة قضائها من خلال بعض «المنحنحين» الذين يطالبون بإضفاء حماية على كل من يردد أنه سيترشح للرئاسة، سواء كان ترشحه يتم وفقاً للقانون أو بلا أى ضوابط، وسيضمن كل باحث عن الشهرة عدد أصوات من معارضى أو كارهى الرئيس السيسى أغلبهم على «الفيس بوك» ونسبة لا بأس بها من لجان الإخوان الإلكترونية، سواء القابعون فى تركيا أو المختفون فى قطر.
بالطبع، فإن المعارض يجب أن تكون له حقوق تضمن له عدم غبن السلطة بأجهزتها عليه، لكن يجب ألا تتحول هذه الحقوق إلى فوضى، فالدستور ينظم عملية الترشح وشروطها، والتى تتطلب تزكية عشرين عضواً على الأقل من مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى خمس عشرة محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. وفى جميع الأحوال، لا يجوز تأييد أكثر من مرشح وذلك وفقاً للمادة 142 من الدستور.. وبالطبع وفقاً لهذه الشروط، فالواقع يقول إن مجلس النواب يضم ائتلاف 25/30 المعارض (17 نائباً فقط)، وأعلم أن بهم مجموعة ترفض الحكومة لكنها تؤيد السيسى، وبالتالى فإن فرص الترشح ضمن هذه الآلية ضعيفة جداً، أو تكاد تصل إلى مرشح واحد معارض «بالعافية».
أما التزكية الشعبية، فالعملية ليست سهلة، لكنها بالطبع غير مستحيلة، وبالتالى ستختزل العملية الانتخابية لرئاسة الجمهورية -كما ذكرت- فى 4 مرشحين فى أكثر الأحوال، لكن لحين الوصول إلى الانتخابات، التى من المتوقع أن تبدأ إجراءاتها فى أول شهر فبراير لتنتهى فى آخر أبريل أو أول مايو على الأكثر، سيظهر كثيرون يتمسحون فى الانتخابات الرئاسية تحت مسمى «مولد المرشح المحتمل» دون أى التزام بالقانون أو الدستور أو الشروط، وسيختفون بمجرد فتح باب الترشح لأسباب واهية، أو على أحسن الظروف سيتقدمون للترشح ثم ينسحبون مع اقتراب عملية التصويت، بحجج انعدام النزاهة وانحياز السلطة التنفيذية للرئيس الحالى وغيرها مما يروق للغرب وللمغيبين فى الداخل سماعه.
بالطبع لا أفضل أن تكون الانتخابات الرئاسية بمرشح واحد لأنها ستكون أقرب إلى الاستفتاء، ولكن لا أقبل أيضاً أن تتحول إلى مسرحية هزلية، أو إلى ديكور، أو يستغلها البعض فى الداخل والخارج للانتقام.. وبالتالى يجب ألا يحيد الهدف، سواء عند المؤيدين للرئيس السيسى وهو بالطبع محور الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو عند المعارضين له، بحيث يسعى الجميع إلى إرساء تجربة ديمقراطية سليمة وقوية، ترسخ قيماً جديدة فى التجربة المصرية، بحيث نحافظ على حياد أجهزة الدولة تجاه أى مرشح، وأن يتم الفصل بين السيسى كرئيس والسيسى كمرشح للانتخابات، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات لكل مرشح، حتى لو أشارت التوقعات أو الاستطلاعات إلى أنه لن يحصل على نسبة كبيرة، ولكن فى الوقت ذاته يجب عدم التساهل فى القانون مع مرشحى المعارضة، سواء رواد المولد من المحتملين الذين سيخلعون قبل الإجراءات، أو هؤلاء الذين يهربون قبل التصويت، أو أولئك الذين سيكملون المعركة الانتخابية لنهايتها، بمعنى إذا كان البعض يطالب الرئيس وحملته باحترام القانون فيجب بالدرجة نفسها أن نطالب المعارضين ونراقبهم، خاصة أن المرشح للمنصب الرئاسى يجب أن يكون قدوة فى الالتزام بالدستور والقانون.
انتقاد السيسى حق للجميع، وفى أحيان أخرى واجب، لكن ترك مولد المرشحين المحتملين دون ضوابط أو رقابة خطأ فادح، ليس فى حق السيسى، بل ستدفع ثمنه الدولة والتجربة الديمقراطية.