مدير «مركز المنصورة»: نصنع معجزات رغم نقص التمويل والخامات.. والتقدم نحو المستقبل يعتمد على هذا العلم الجديد
صبرى
«نحن كمن اشترى سيارة أحدث موديل، ولكنه لا يستطيع أن يشترى لها بنزيناً»، بهذا التوصيف بدأ مدير مركز «النانو تكنولوجى» بجامعة المنصورة، الدكتور محمد نبيل صبرى، حديثه لـ«الوطن»، فى إشارة إلى أبرز معوقات عمل المركز، التى تتمثل فى نقص الاعتمادات المالية، وعدم توافر المواد الخام اللازمة لإجراء التجارب عليها، مؤكداً أن «التقدم للمستقبل يعتمد بشكل كبير على هذا العلم الجديد»، معتبراً أنها «تكنولوجيا تقدم للفقراء منتجات رخيصة بعد تصنيعها، ولكنها مكلفة للغاية على مستوى الأبحاث».
داخل المبنى الجديد لكلية الهندسة، يوجد مركز «النانو تكنولوجى»، عبارة عن 3 غرف متصلة عبر أبواب داخلية، تضم بين جدرانها عدداً من الأجهزة التكنولوجية المعقدة، بادرنا «صبرى» قائلاً: «صحيح المركز لا تتوافر به جميع الأجهزة، ولكننا حرصنا على شراء أجهزة غير موجودة لدى مراكز بحثية أخرى، ضمن الشبكة القومية للنانو تكنولوجى»، مشيراً إلى أن العديد من الباحثين من كافة الجامعات المصرية يتوافدون على مركز جامعة المنصورة، نظراً لأنه يضم أجهزة فريدة، لا تتوافر فى أى مكان آخر، وتابع بقوله: «بدأنا فى إنشاء الشبكة القومية للنانو تكنولوجى قبل إنشاء المركز، وعندما تقدمنا بطلب إلى وزارة البحث العلمى لاعتماد مبلغ مالى للمركز، من صندوق التنمية التكنولوجية، حصلنا على 5 ملايين جنيه فقط، وهذا المبلغ ضئيل للغاية بالنسبة لتكلفة أبحاث النانو تكنولوجى، التى تصل إلى 50 مليون جنيه كحد أدنى لبدء العمل فى المركز»، وأوضح أن الشبكة تضم جميع المراكز البحثية والجامعات الحكومية التى بها أقسام لعلوم «النانو»، لتبادل المعلومات والخبرات العلمية فيما بينها.
«صبرى»: مصر تمتلك كافة الأجهزة وشبكة قومية للمراكز البحثية
وشدد مدير مركز النانو تكنولوجى بجامعة المنصورة على قوله: «فى ظل وجود الشبكة القومية لا يوجد جهاز واحد ناقص فى مصر، كل الأجهزة موجودة، ولكن فى أماكن مختلفة»، إلا أنه أشار إلى أن هذه الأجهزة تحتاج إلى خامات لإجراء التجارب، وتكلفة الحصول على هذه الخامات مرتفعة جداً، ليست فى متناول الباحث العادى، حيث إن أغلبها تكون مستوردة، كما أن تصنيعها محلياً يحتاج إلى العديد من الأبحاث والتجارب، التى عادةً ما تكون مكلفة جداً هى الأخرى.
وعن مصطلح «النانو»، عرَّفه «صبرى» بأنه وحدة مسافة صغيرة جداً، وهى جزء من 100 ألف جزء فى قطر شعر الإنسان، وتعتمد علوم النانو تكنولوجى على تصنيع دوائر وكيانات دقيقة جداً، مشيراً إلى أن بعض هذه الكيانات موجودة منذ بدء الخليقة، ولم يكن بإمكان البشر رصدها، مثل الفيروسات والحامض النووى، الذى يحتوى على كافة الصفات الوراثية للإنسان، ويبلغ قطره نحو 2 نانو، وأضاف أن مصر عرفت النانو تكنولوجى منذ العصور الفرعونية، ولكن بدون علم، وظهر ذلك فى بعض النقوش تعود إلى 7 آلاف سنة.
وعن الاستخدامات القديمة للنانو تكنولوجى قال: «كنا نسمع فى الشعر العربى القديم عن السيف الدمشقى، كنت أعتقد أنه مجرد كلام للشعر، ولكن بعد البحث تبين أنه تم تصنيعه بالنانو تكنولوجى، ويحتوى على (كاربون نانو فايبرز)، وهى ألياف تنشأ بشكل طبيعى أثناء تصنيع هذا السيف، وغير موجودة فى الأنواع الأخرى من السيوف، وهذه الألياف مثل الدعامة أقوى من الصلب، ولذلك كانت السيوف الأخرى تنكسر، بعكس السيف الدمشقى الذى لا ينكسر، وكان يتم استخدام النانو ولكن بدون علم».
وأشار إلى أنه فى أواخر ثمانينات القرن الماضى، بدأ اتساع التعامل مع النانو من خلال تصنيع كيانات صغيرة، وفى بداية القرن الـ21 بدأت تطبيقات لا حصر لها، حتى أصبح لا يوجد أى مجال من مجالات العلوم إلا ويوجد بها النانو تكنولوجى، سواء فى الطب أو الهندسة أو الزراعة وغيرها، وبدأ الانتشار التجارى لهذه التكنولوجيا منذ عام 2010، مؤكداً أنها «تقدم منتجات أشبه بالمعجزات، وأصبحت تكنولوجيا الحاضر والمستقبل»، لافتاً إلى أنه تم إنشاء مركز النانو تكنولوجى بجامعة المنصورة قبل عامين فقط.
أما عن الاستخدامات المستقبلية لهذه التكنولوجيا، فأكد «صبرى» أن هناك العديد من التطبيقات التى يمكن أن تفيد مصر والعالم كله، فعلى سبيل المثال فى المجال الطبى، بدأ استخدام النانو تكنولوجى فى علاج عدد من الأمراض، خاصةً السرطان، وبدلاً من العلاج الكيماوى، الذى ثبت تأثيره السلبى على صحة الإنسان، يعمل الباحثون حالياً على تصغير العلاج، بحيث يكون بحجم المرض، ويستهدف الخلية المصابة فقط، ولا يمس أى خلية سليمة بجوارها، حتى لا يؤثر فى باقى أعضاء الجسم.
كما تم التوسع فى استخدامات النانو تكنولوجى فى صناعة الأدوية، وفى التشخيص، ويمكن من خلال «كبسولة» صغيرة إجراء كافة التحاليل الطبية اللازمة، وظهر ما يُعرف بـ«معمل على شريحة»، وهى عبارة عن شريحة كمبيوتر صغيرة، تقوم بوظيفة معمل تحاليل كامل، تضع فيها نقطة دم وتدخلها فى التليفون، لتخرج نتيجة التحاليل فى لحظة، وهذا يختصر الوقت والجهد، ما يساعد الأطباء على اتخاذ قراراتهم بشأن المرضى فى نفس اللحظة، كما يمكن من خلالها اكتشاف العديد من الأمراض مبكراً.
حماية الأطفال وصناعة الأدوية ودقة التحاليل الطبية أبرز الاستخدامات المستقبلية
وأشار إلى أنه يتم أيضاً استخدام النانو تكنولوجى فى مجال الطاقة الشمسية، حيث كانت فى بدايتها مكلفة، ولكنها أصبحت رخيصة بفضل هذه التكنولوجيا، وهى بمثابة حل مثالى للعديد من المشاكل التى تعانى منها مصر، من خلال استخدامها فى تحلية مياه البحر، وفى الزراعة وتحسين المحاصيل والسماد والمبيدات، كما يمكن استخدامها فى المجالات الهندسية، مثل إنتاج دهانات مقاومة للأتربة، أو تقاوم الحشرات، ولكنه شدد على أن «كل ما نحتاج إليه هو باحثون يواصلون العمل باستمرار، نظراً لأنه فى كل يوم تخرج علينا أفكار جديدة».
وعن الأجهزة الموجودة فى مركز جامعة المنصورة، أوضح «صبرى» أن المركز يضم جهاز «القوة الذرية»، ويوجد منه جهازان آخران فى مصر، ولكنه الأحدث، كما أنه الوحيد خارج القاهرة، ويمكنه قياس أبعاد دقيقة تصل إلى ثلث النانو، بالإضافة إلى قدرته على تعديل الكيان المراد قياسه على مستوى النانو، وهذا غير موجود فى مكان آخر.
كما يوجد جهاز «الراسم الدقيق»، ويرسم أبعاداً دقيقة، ويستخدم مادة سائلة نطلق عليها مجازاً «حبر»، يمكن من خلاله تصنيع «الإلكترونيات المطبوعة»، عن طريق عمل دائرة إلكترونية بالكامل من الأحبار، أو شرائح إلكترونية دقيقة وغير مرئية، مثل تلك الشرائح التى يستخدمها الجيش الأمريكى، ويمكن من خلالها تصنيع شرائح يمكن وضعها فى ملابس الأطفال، لتعطى إشارات عن أماكن وجودهم، أو لقياس درجة حرارة الطفل، أو غيرها من الاستخدامات الأخرى.
وهناك جهاز ثالث بمركز المنصورة يُعرف باسم «المغزل الدقيق»، يمكنه تصنيع ألياف فى حجم النانو، لاستخدامها فى إنتاج فلاتر دقيقة تُستخدم فى تحلية مياه البحر، وهو من الدقة بحيث يمنع جزىئات الملح من المرور خلاله، كما يمكن عمل ضمادات طبية مزودة بـ«حبيبات فلتر» تقتل البكتريا، وتعمل لعدة شهور دون تغيير، كما يمكنه إنتاج ألياف من مواد يمكن هضمها بسهولة، أو تكون جزءاً من الجلد الطبيعى.
واختتم مدير مركز النانو تكنولوجى بجامعة المنصورة حديثه لـ«الوطن» بالإعراب عن أمله فى أن تتم زيادة الاعتمادات المخصصة للبحث العلمى، وأن يكون للنانو تكنولوجى نصيب مناسب منها، وأن يتم التوسع فى استخدام هذه التكنولوجيا على المستوى الصناعى، وصولاً إلى تصنيع منتجات رخيصة الثمن وعظيمة المنفعة، لافتاً إلى أن معظم الباحثين فى مجال النانو تكنولوجى يعانون من صعوبة إيجاد التمويل اللازم لاستكمال تجاربهم وأبحاثهم، التى تكون فى كثير من الأحيان فوق طاقاتهم.
«صبرى» خلال حديثه لـ«الوطن»