مفاوضات "كيم- ترامب".. فشل دبلوماسية الرجل الواحد تهدد بتوترات جديدة
صورة أرشيفية
على مدار ربع قرن تقريبا، حاول الرؤساء الأمريكيين، استمالة أو تهديد أو تخريب كوريا الشمالية، بهدف عرقلة بناء ترسانة نووية، ولجأ كل منهم في النهاية إلى المفاوضات، انطلاقا من قناعة بأن "البلد المعزول المكسور، سيختار بالتأكيد المنافع الاقتصادية التي تعود بالنفع على شعبه الذي يعاني من أزمة، بدلا من اختيار القنبلة النووية".
وعلى مدار تلك الفترة، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو "الرابع" الذي يلجأ إلى الحوار، ولكنه أدخل تعديلا جديدا على طريقة التفاوض، حيث لجأ إلى المحادثات المباشرة وجها لوجه، وهو ما تجنبه أسلافه.
وسافر "ترامب" لمسافة تزيد على 10 آلاف كيلومتر، لحضور اجتماع القمة الثاني، في أقل من عام، مع "كيم جونج أون" زعيم كوريا الشمالية، حيث يراهن الرئيس المريكي على أن مهاراته الذاتية التي يراها في نفسه كمفاوض رئيسي، ستحدث فارقا.
وعلى الرغم من أن "ترامب" كان واثقا في نفسه إلى هذا الحد، فإن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تشير إلى أن الواقع أثبت أنه ليس مفاوضا رائعا كما يرى نفسه، فقد انتهى الاجتماع في فيتنام، أمس الخميس، بحالة من الفوضى، عندما أصر "كيم" على رفع العقوبات بالكامل، وفقا لما أعلنه "ترامب"، في حين أعلنت وزارة الخارجية الكورية الشمالية أن "كيم طلب رفع العقوبات جزئيا وليس كليا"، في مقابل تفكيك البرنامج النووي، لتلبية المطالب الأمريكية.
وقالت "نيويورك تايمز": "الخلاف بين الاثنين لم يؤد فقط إلى انهيار المحادثات وفشلها، بل كشف عن خطر الدبلوماسية المباشرة التي انتهجها (ترامب)، أو ما تُسمى بدبلوماسية الرجل الواحد التي يعتمد فيها الرئيس على نفسه في التفاوض، حيث إنه حين تصل تلك المفاوضات إلى نقطة الفشل، لا تتبقى نقاط أخرى يمكن الوصول إليها، ولا يمكن نقلها إلى مستوى أعلى، لأن هذا المستوى هو الأعلى بالأساس".
وأشارت الصحيفة إلى أن تكلفة هذا الفشل ستكون مرتفعة، خاصة إذا كان رد فعل "كيم" عكسيا، بمعنى أنه يلجأ إلى تسريع إنتاجه للوقود النووي، في حين أن الرئيس الأمريكي لا يزال في حالة تأرجح ما بين تعبيرات عن "الحب" لزعيم كوريا الشمالية، والعودة إلى لغة "النار والغضب".
وبحسب ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، فإن "عدم التوصل إلى صفقة، أفضل من الوصول إلى صفقة سيئة، والرئيس كان على حق في مغادرة المفاوضات".
وقال "هاس": "القمة الفاشلة هي المخاطرة التي تواجهها عندما يتم وضع الكثير من الإيمان والآمال على العلاقات الشخصية مع زعيم مثل كيم، حينما تكون القمة غير مهيأة بشكل كافٍ، وعندما أشار الرئيس إلى أنه واثق من النجاح".
ولفتت الصحيفة الأمريكية، إلى أن نتيجة المفاوضات وفشلها، أخذت الجميع على حين غرة، حيث أن "الرئيس ترامب كان مقتنعًا جدًا بأن الصفقة كانت على وشك التوقيع، إلى درجة أن أعلن البيت الأبيض أن (حفل التوقيع) سيعقد فورًا، بعد تناول وجبة غداء بين الزعيمين.
ورغم التكهنات، لم يجلس أحد على الطاولة الأنيقة في فندق (ميتروبول)، ولم يكن هناك حفل توقيع، لأنه لم يكن هناك بيان للتوقيع عليه".
وأضافت "نيويورك تايمز": "نجح كيم في وضع ترامب في المنطقة التي يريدها، يسعى إلى التوصل لأي اتفاق بأي طريقة، لأنه بحاجة إلى انتصار رئيسي، بعد الشهادة المدمرة التي أدلى بها مايكل كوهين، المحامي السابق للرئيس الأمريكي"، "وإذا كان الأمر كذلك، فقد أخطأ كيم بشكل واضح".
من جهته، قال المبعوث الخاص السابق لوزارة الخارجية لكوريا الشمالية، جوزيف يون، إنه "كان يمكن أن تكون هناك صفقة صغيرة، تتضمن إغلاق بعض المواقع النووية ورفع بعض العقوبات"، مضيفا: "ولكن بسبب شهادة كوهين، كان الرئيس بحاجة إلى صفقة كبيرة-وهي قضية تطورت إلى تخفيف العقوبات مقابل التفكيك الشامل للبنية التحتية النووية".
وقالت الصحيفة الأمريكية، إنه على المدى القصير، من المحتمل أن تكون الأضرار الناجمة عن الاجتماع الفاشل، كبيرة، وليس فقط لأحلام "ترامب" في الحصول على جائزة "نوبل" للسلام، التي طلب من رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، أن يرشحه لها.
وأضافت: "الخطر الآن، هو أنه بعد أن وضع الكل تعليقاته الشخصية بشأن المفاوضات، فإن كلا من ترامب وكيم، سيميلان إلى زيادة الضغط على بعضهما البعض، وقد يبشر ذلك بعصر جديد من التوترات النووية، في لحظة أعلن فيها عن التراجع عن اتفاق كبير للحد من الأسلحة الروسية، وفي وقت تعود فيه أزمة الهند وباكستان إلى الواجهة من جديد، تزامنا مع دراسة إيران إعادة إنتاج مخزونها من الوقود النووي".
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن "ترامب هو من وضع نفسه في موقف أسوأ، حيث ظل يكرر أنه كان هناك متسع من الوقت للتوصل إلى اتفاق".