"التُمناية": رحلة شاقة لـ7 ركاب.. ضيق المقاعد وتهور السائقين أبرز عيوبها
ركاب «التمناية» يعانون من ضيق السيارة
«التمناية» هو الاسم الحركى للعربات ماركة «سوزوكى» الصغيرة، التى تُستخدم فى نقل الركاب بشكل واسع فى عديد من المناطق، وسط شكاوى عديدة منها، وتساؤلات كثيرة حول مدى صلاحيتها لهذا الغرض، ومطالبات بعدم اعتبارها وسيلة نقل جماعى من الأساس.
الركاب: "وسيلة غير آدمية وضيقة ومتعبة ولازم نتخبط فى دماغنا وإحنا بنركب.. وكبار السن والستات بيعانوا.. والسواقين بيتعاملوا بطريقة وحشة معانا"
فى «مدينة الشيخ زايد»، على سبيل المثال، تنتشر «التُمنايات» بكثرة فى شوارع المدينة، وتعتبر وسيلة التنقل الرئيسية داخلها، رغم المعاناة المصاحبة لاستخدامها، لا سيما فى ظل منع «التوك توك» من العمل هناك.
ينزل سكان المدينة وزائروها عند الموقف الرئيسى، الواقع عند مدخل المدينة على طريق محور 26 يوليو، ويتوجهون كل لوجهته بالمدينة وأحيائها مترامية الأطراف عبر هذه العربات، أو يستخدمونها فى تنقلاتهم الداخلية الأخرى، مقابل أجرة 3 جنيهات تقريباً للراكب.
وحدهم سعداء الحظ هم من يتمكنون من اقتناص المقعد الأمامى المجاور للسائق، وهو المقعد الوحيد المريح نسبياً بالسيارة التى تضم 7 ركاب (غير السائق)، وفيما عدا ذلك «عذاب».
هذا ما تؤكده ياسمين صلاح، الطبيبة الشابة بالمستشفى العام، التى تضطر عادة لانتظار سيارة يكون مقعدها الأمامى شاغراً، لكى لا تعرض نفسها لتجربة الركوب فى الصفين الخلفيين، اللذين يركب فيهما 6 ركاب، 3 فى كل صف.
يصل العذاب لذروته تقريباً بالنسبة للثلاثة ركاب الذين يضطرهم حظهم العثر للجلوس فى الكنبة الأخيرة، التى تمثل أضيق مكان فى السيارة، من حيث العرض والارتفاع، وهو ما يؤدى لحالة «انكماش» إجبارى لهم، لا يمنع من «خبطة هنا أو هناك» لرأس الراكب فى سقف السيارة.
فى الكنبة الوسطى تبدو الأمور أقل سوءاً من حيث ضيق المساحة، إلا إذا اضطرت سيدة للجلوس مع رجلين، حسبما تشير «ياسمين»، حيث يمثل ذلك عنصر ضغط أكثر على الركاب، ومشكلة كبيرة بالطبع بالنسبة لهذه السيدة أو غيرها ممن تضطرهن الظروف للجلوس بهذا الشكل.
لكن تبقى مشكلة كبرى أخرى فى «الصف الأوسط» وهى «الكرسى القلاب» الذى لا بد أن ينزل الجالسون عليه فى كل مرة يرغب بقية الركاب فى الصفين الخلفيين فى النزول أو الصعود من «التمناية»، فمن خلاله يكون المدخل والمخرج الوحيد للصعود والنزول من السيارة.
وبعبارات أخرى يلخص كامل عبدالقوى، المشرف بإحدى شركات المقاولات، 50 عاماً، رأيه فى هذه السيارات، قائلاً: «نوعية العربيات دى ضيقة والقعدة فيها مش مريحة وفيها عناء كبير، ولازم اللى يركبوها يكونوا من أحجام معينة، والمسنين بيتعبوا جداً فى ركوبها».
يتوسع «كامل» فى وصف أوجه معاناة سكان المدينة مع هذه السيارات، مشيراً إلى أن «المساعدين بتاعتها ضعيفة، عشان كده تلاقى الخبط فيها جامد، ولو واحدة حامل ممكن تولد، ولو واحد عنده مشاكل فى الضهر بيتعب».
ويعتبر «الكرسى القلاب» مصدراً آخر لمعاناة «كامل» من هذه السيارات، الذى يقول: «كام مرة البنطلون يتنتش فى الكرسى القلاب وأنا طالع أو نازل من العربية، وحصلت ذات مرة مع بنتنا، ولما تتكلم مع السواقين عشان يشوفوا إيه اللى بيعمل كده ويعالجوه، تلاقى الأغلبية منهم بتتعامل باستهتار، ونسبة بسيطة بس هى اللى تقولك ماشى».
وتأتى «سلوكيات السواقين» كإحدى المشكلات الكبرى التى تواجه سكان المدينة الذين يستخدمون هذه السيارات فى تنقلاتهم، وفى مقدمتها صراعاتهم على «الدور»، لا سيما مع وجود أعداد كبيرة من السيارات فى الموقف.
ففى الموقف مثلاً، حسبما يضيف «كامل»: «المفروض كل عربية لها دور مُحدد، لكن مفيش احترام للأدوار وتلاقى واحد جاى من الآخر عايز يركًّب، وكله بالعافية وهرجلة وخناقات وشتيمة، لدرجة إن ممكن تلاقى 3 أو 5 عربيات بيركبوا فى وقت واحد، وده طبعاً بيبقى عطلة لينا».
ويمتد الأمر من جانب السائقين لما هو أكثر بالطبع: «فممكن مثلاً سواق يقول أنا رايح الحى الـ16، وفى وسط الطريق يقول أنا مش رايح، ويقول خلاص انزلوا، هنا آخرى، ده غير صوت الكاسيت العالى اللى بيشغلوه، وهى مشكلة مشهورة ومنتشرة فى السوزوكى، وما بيرضوش يوطوا إلا نسبة بسيطة جداً، وممكن يقولك ده ما بيوطاش».
ولا يختلف وائل أحمد، مع ما يشير إليه «كامل» عن سلبيات مثل هذا النوع من عربات النقل الجماعى، معتبراً أنها كمركبة وكمواصفات تعتبر غير آدمية، وغير معدة لنقل الركاب من الأساس حيث إنها «متعبة جداً وضيقة وناشفة، المطبات بتسمّع فى ضهرك، والطلوع والنزول منها متعب جداً، وتطلع لازم تتخبط فى دماغك».
أما عن سائقيها فـ«غالباً ما يكون سلوكهم ومعاملتهم مع الركاب سيئة، ناهيك عن سواقته المتهورة وسرعته الزائدة، وتعامله مع الركاب فى الأجرة، والطلوع والنزول».
ويشير «وائل» هنا إلى أنه فى محاولة لحل مشاكل النقل الجماعى والتنقلات داخل المدينة، قامت هيئة المجتمعات العمرانية مؤخراً بتسيير أوتوبيسات عدد 26 راكباً، للتنقلات الداخلية بالمدينة، ورغم أنها أجود وسائقوها متحضرون، فإنه بسبب قلة عددها وعدد ساعات عملها وطول فترة انتظارها، لم تستطع أن تُزيح «التمناية» من على عرشها الذى احتلته دون أحقية.
ولا ينكر رضا محمد، أحد سائقى السوزوكى، أن هناك من بين السائقين بالفعل من يتصفون بأخلاق سيئة، ويصرفون عائدها على المخدرات وما شابه، إلا أنه يشير فى المقابل إلى أن بينهم أيضاً من يتمتعون بأخلاق ويسعون فقط لكسب رزقهم فى ظل عدم وجود فرص عمل أخرى.
ويشير «رضا» إلى كثرة سيارات السوزوكى التى تعمل فى نقل الركاب الآن، باعتبارها أحد المشاريع المتاحة، حيث يبلغ سعر السيارة نحو 150 ألف جنيه، لا سيما فى ظل عدم وجود فرص استثمارية فى أنشطة أخرى أمام الكثيرين، لافتاً إلى أن هناك أمناء شرطة فى أكتوبر يملكون سيارات من هذا النوع تعمل فى أكتوبر وزايد.
ويوضح «رضا» أن هناك جانباً من سيارات السوزوكى التى تعمل فى هذا المجال مرخصة كأجرة، وتدفع رسوماً سنوية كبيرة مقابل ذلك، وفى المقابل فإن هناك سيارات كثيرة أخرى من هذا النوع مرخصة كـ«ملاكى» وتعمل فى نقل ركاب بشكل غير رسمى.