خبير الشئون الأفريقية: مصر تحتفظ لنفسها بكل الخيارات للتعامل مع ملف "سد النهضة"
الدكتور سيد فليفل، أستاذ التاريخ، العميد الأسبق لمعهد الدراسات الأفريقية
قال الدكتور سيد فليفل، أستاذ التاريخ، العميد الأسبق لمعهد الدراسات الأفريقية، رئيس لجنة الشئون الأفريقية بمجلس النواب، إن مصر، المحبة للسلام، تحتفظ لنفسها بكل الخيارات للتعامل مع ملف سد النهضة، الذى يهدد اقتصادها وأمنها، وأضاف، فى حواره لـ«الوطن»، أن القيادة السياسية لا تزال تفضّل المضىّ قدماً فى مفاوضات هدفها إقناع الجانب الإثيوبى بالإدارة المشتركة لمياه النهر، بما يحقق التنمية التى تتطلع إليها «أديس أبابا»، ولا يقطع عنا المياه.
د. سيد فليفل: حقوقنا فى مياه النيل جزء من اتفاقات لا يجوز المساس بها أو وصفها بـ"الاستعمارية"
* ما الاتفاقات التى تحكم علاقاتنا بإثيوبيا فيما يتعلق بمياه النيل؟
- تربطنا مجموعة من الاتفاقات، أهمها اتفاقيتا عامى 1891 و1902 وطرفا الاتفاقية بريطانيا، التى كانت تحتل مصر والسودان، وإثيوبيا. لكن من المهم أن نعرف أن هذه الاتفاقات تتعلق بالحدود، والمياه جزء منها. وفى القانون الدولى لا يجوز المساس باتفاقات الحدود، وإثيوبيا تتعامل وفقاً لثلاثة سيناريوهات، الأول الفصل بين المياه والحدود، أى تعترف بالبنود التى تخص الحدود ولا تعترف بالبنود التى تخص المياه فى هذه الاتفاقات. والسيناريو الثانى، التفاوض من موقع أنها صاحبة الأنهار الخارجة من أراضيها. أما السيناريو الثالث، فهو أن تنكر على الأطراف الخارجية حقها فى استخدام مياه هذه الأنهار، وبالمناسبة، القانون الدولى يسمى النيل نهراً دولياً، لأن هناك عدة دول تتقاطع عليه، وانطلاقاً من هذه المبادئ الثلاثة تتخذ إثيوبيا مواقف وإجراءات تفرضها هى: أولاً السيادة على النهر، ثانياً أن هذا نهر داخلى ولكنه خرج من الحدود، وثالثاً أنها حرة فى أن تصنع ما تشاء فى مياه النهر بغضّ النظر عن مصالح الدول الأخرى.
"أديس أبابا" تردد أكاذيب وتتعامل بمنطق "النهر نهرنا والسد سدنا والمال مالنا ونحن أصحاب السيادة وليس لأحد أن يتحدث معنا"
* ما الذى تقصده إثيوبيا حين تقول إن هذه الاتفاقات هى اتفاقات استعمارية لا يجب الاحتكام إليها؟
- هناك مجموعة ادعاءات كاذبة تروّجها أديس أبابا، أولها أن الاتفاقات التى تحكم مياه نهر النيل استعمارية ولا يجب العمل بها. وهذه فرية لأن إثيوبيا كانت الدولة الأفريقية الوحيدة المستقلة فى ذلك الوقت، وكنا نحن، مصر والسودان، المستعمرين من الإنجليز، أى إنها هى التى كانت تتقاسم الأراضى والمياه مع المستعمر وأخذت ما لم يكن لها حق فيه. فقد ترتب على هذه الاتفاقات ضمها لشمال كينيا حتى نهر وبحيرة توركان، وضم إقليم أوجادين (الصومالى)، ما ترتّب عليه السيطرة على أعالى نهرى جوبا وشبيلى. كما أن هذه الاتفاقات منحت إثيوبيا منطقة بنى شنقول السودانية التى بُنى فيها سد النهضة، أى إن الاتفاقات التى ترفضها إثيوبيا هى التى صنعت إمبراطوريتها، وزادت حجمها 4 أضعاف. وبموجب هذه الاتفاقات تحكمت فى شعوب دول أخرى.
* هل سد النهضة هو مشكلة مصر والسودان الوحيدة، أم أن إثيوبيا تسعى لبناء سدود أخرى؟
- سد النهضة لن يكون الأخير الذى تسعى إثيوبيا لإنشائه، فهو واحد من عدة سدود مقترحة على النيل الأزرق. وعلينا أن نستعد لسدود أخرى تالية. ووفقاً للتجربة السابقة فى الحالتين، الكينية والصومالية، فإن إثيوبيا قد تستهدف تجفيف النيل الأزرق وعطبرة والسوباط، لتعلن سيادتها على حوض النيل الشرقى الذى يجمعها مع السودان وجنوب السودان ومصر.
* لكن مفاوضات واشنطن التى تعثرت فى فبراير الماضى، كان الخلاف الرئيسى فيها، كما سمعنا، هو فترة ملء السد. هل هذا صحيح؟
- لا ليس صحيحاً. الخلاف الرئيسى هو الدوافع السياسية لإثيوبيا التى تُفسد أى مفاوضات مع مصر، فقد كشف أسلوب التفاوض الإثيوبى عن كراهية مطلقة للطرف المصرى، وبالتالى رفض الطرح المصرى، والذى يهدف للإدارة المشتركة لمياه النيل انطلاقاً من قناعتهم أن «النهر نهرنا والسد سدنا والمال، الذى بنى به السد، مالنا ونحن أصحاب السيادة وليس لأحد أن يتحدث معنا».
* وكيف انعكس هذا الموقف على مسار المفاوضات؟
- هذا واضح من محاولتهم انتقاص حصة مصر من النيل البالغة 55.5 مليار متهمين مصر والسودان بالاستئثار بكل مياه النهر دون أن تحصل هى على شىء منه، علماً بأن كل مياه النهر لا تُذكر مقارنة بنحو 1000 مليار متر مكعب من مياه الأمطار التى تسقط عليها، و10 أنهار داخلية تبلغ المياه السطحية فيها نحو 122 مليار متر مكعب، أى أكثر من ضعفى حصة مصر من النيل. هذه الكميات الهائلة من المياه تنمو عليها مراعٍ شاسعة، مكنت إثيوبيا من امتلاك 100 مليون رأس ماشية، أى 12 ضعف ما تملكه مصر من الماشية، فضلاً عن 60 مليون فدان، تروى رياً ومطراً، مقابل حوالى 8.5 مليون فدان زراعة فى مصر فقط.
* وهل هناك أمثلة ناجحة للإدارة المشتركة للأنهار؟
- طبعاً، فخزان تانا فى إثيوبيا نفسها وسد أوين فى أوغندا وسد إنجا فى الكونغو، والسدود السودانية كلها أمثلة قائمة على نجاح الإدارة المشتركة لمشاريع المياه، ودليل على أن مصر لا تعارض طموحات جيرانها فى التنمية، على ألا تكون هذه التنمية على حساب إفقار دول المصب. وبالمناسبة سد النهضة نفسه لن يولد الكهرباء التى تتطلع إليها إثيوبيا، فالهدف المعلن هو توليد 6 ميجاوات لكن قدرته الفعلية ستكون أكثر بقليل من 2 ميجاوات، أى إن محطة كهرباء بنى سويف التى افتتحها الرئيس السيسى فى 2018 أكبر إنتاجية منه.
الطرح المصرى يهدف لتفعيل الإدارة المشتركة بشكل يحقق التنمية لهم ولا يمنع عنا المياه
* ما خيارات مصر تجاه سد النهضة؟
- مصر، المحبة للسلام، تحتفظ لنفسها بكل الخيارات، لكنها كانت وما زالت تركز على الخيار الأول وهو التفاوض على الإدارة المشتركة للنهر، بما يسمح لإثيوبيا بتوليد الطاقة الضرورية لتنميتها وتمرير المياه لمصر من خلال إدارة تشغيل مشتركة للسد، مع طرح فكرة الاستثمار فى مجال الطاقة على الأنهار التى لا تصل إلى دول المنبع كما حدث فى تنزانيا، وتقديم المعونة الفنية فى الرى من المياه الجوفية ومياه الأمطار وعرض خبراتها فى توصيل المياه للمنازل وتطهير البحيرات العظمى. وتجد كل هذه الجهود ترحيباً من كل دول حوض النيل ما عدا إثيوبيا.
* وماذا عن الخيار الثانى؟
- المسار الثانى قضائى الطابع، وأساسه إشراك المجتمع الدولى فى التفاوض، وتحديداً البنك الدولى الذى كان مشاركاً فى مبادرة حوض النيل مع أطراف دولية أخرى، وعددها 13 طرفاً، إضافة للولايات المتحدة الأمريكية، صديقة الطرفين وصاحبة فكرة سد النهضة. وقد أثار الرئيس السيسى العام الماضى هذه القضية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، واصفاً مياه النيل بأنها مسألة «حياة للمصريين». وطرح القضية فى مجلس الأمن مستقبلاً وارد أيضاً، باعتبار أن السد يمثل تهديداً على الحياة الاقتصادية لملايين المصريين.
ليس ذنب مصر أن أديس أبابا لم تستطع استغلال مواردها، وظلت مدنها وقراها تعيش دون مياه شرب نظيفة، فإثيوبيا تمتلك من مصادر الطاقة ما كان يغنيها عن السدود، فهى تمتلك واحدة من أكبر مصايد الرياح (المندفعة بين الجبال) فى العالم الصالحة لإنتاج الكهرباء، وتمتلك منطقة الأخدود، أو منطقة طاقة جوف الأرض، ما كان يمكن أن ينتج ما تحتاجه شعوبها من كهرباء، كما كان لها أن تقبل بالطرح المصرى والدولى، الذى يقضى بالإدارة المشتركة للأنهار من المنبع للمصب، بما يجعل من السدود المتتالية مصدراً لتوليد الكهرباء لها، مع مرور المياه لنا فى نفس الوقت.
"أديس أبابا" فى غنى عن السدود
ليس ذنب مصر أن أديس أبابا لم تستطع استغلال مواردها، وظلت مدنها وقراها تعيش دون مياه شرب نظيفة، فإثيوبيا تمتلك من مصادر الطاقة ما كان يغنيها عن السدود، فهى تمتلك واحدة من أكبر مصايد الرياح (المندفعة بين الجبال) فى العالم الصالحة لإنتاج الكهرباء، وتمتلك منطقة الأخدود، أو منطقة طاقة جوف الأرض، ما كان يمكن أن ينتج ما تحتاجه شعوبها من كهرباء، كما كان لها أن تقبل بالطرح المصرى والدولى، الذى يقضى بالإدارة المشتركة للأنهار من المنبع للمصب، بما يجعل من السدود المتتالية مصدراً لتوليد الكهرباء لها، مع مرور المياه لنا فى نفس الوقت.