ديليسبس.. حكاية كلمة السر في إعلان تأميم قناة السويس
الكتاب الصادر عن دار المعارف
قبل 68 عاما وفي ميدان المنشية، أعلن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، قراره التاريخي الذي هز العالم وهو تأميم قناة السويس التي وصفها بأنها "قناة العرب"، واجتاحت دول العرب فرحة عارمة وبلغت شعبية عبدالناصر عنان السماء، أحداث يقف عندها التاريخ كثيرًا وثقها المهندس عبدالحميد أبوبكر، الرجل الثاني من مجموعة رجالات مصر الذين أشرفوا على تنفيذ أخطر قرارات ثورة يوليو، والخاص بتأميم القناة.
روى المهندس أبوبكر في كتابه الذي أصدرته دار المعارف، تفاصيل استعدادات عبد الناصر لتنفيذ القرار التاريخي والليلة التي غيرت الكثير من تاريخ مصر والمنطقة بأكملها، بحسب ما جرى نشره في الموقع الرسمي لأرشيف الصحافة المصرية، نقلا عن جريدة الأهالي بتاريخ 31 يوليو 1996
لم يكن يوم الخميس 26 يوليو 1956 يوما عاديا في تاريخ مصر، يقول المهندس عبد الحميد في كتابه، في الخامسة صباحا أيقظني جرس التليفون والمتحدث كان المهندس محمود يونس، وطلب الأخير من الأول سرعة الحضور إليه في أقصى وقت ممكن، ووصل إليه في وقت قليل بمنزله بالقاهرة، لم تمض إلا ثواني التقط فيها أبو بكر أنفاسه حتى وضع يونس في يده مجموعة من الأوراق المكتوبة بالخط الرصاص، وحسب وصفه، كات الأوراق أقرب ما يكون إلى أفكار أستاذ في الإدارة وضابط أركان حرب خبير، كانت تتضمن هيكلا عاما لخطة تأميم قناة السويس.
كان الثنائي بعدها على موعد مع مجلس قيادة الثورة بحضور الرئيس جمال عبد الناصر لعرض الأوراق عليه، وكان الزعيم الراحل بحسب ما جاء في وصف الكتاب، يستوقفهم كل حين وآخر لتزويدهم ببعض الملاحظات والمعلومات.
بعد انتهاء اللقاء أسرع المهندس أبو بكر ومن معه بالعودة إلى مقرهم بهيئة البترول لمراجعة المعلومات والتوجيهات التي تلقوها من عبد الناصر، وبعدها قرروا الاستعانة بأربعة من كبار ضباط الجيش الجامعيين الذين انتقلوا للعمل في وزارة التجارة بدلا من الرتب الصغيرة.
في تمام الثانية عشرة ظهرا، وفي مكتب المهندس محمود يونس جرى الاجتماع مع الأفراد الذين وقع الاختيار عليهم، وكان أغلب الحضور من المدنيين، ويقول أبو بكر في كتابه، "في الاجتماع قلنا إن الرئيس جمال عبد الناصر كلفنا بمهمة سرية في الصحراء الغربية وإننا اخترناهم معنا للقيام بالمهمة وأمام الجميع ساعتان ونصف فقط لبدء تنفيذ المهمة، على أن يتم اللقاء مرة آخرى في موعد أقصاه الثانية والنصف ظهرا في مكتب القائد العام للقوات المسلحة".
وبعدها قام المهندس عزت عادل بكتابة التعليمات بسرعة ووضعها في مظروف مغلق مكتوب عليه: "لايفتح إلا عند وصول الرئيس في خطابه إلى اسم ديليسبس"، ووضعه داخل مظروف آخر مكتوب عليه يفتح عند سماع خطاب الرئيس ووضعه في درج مكتبه وأغلق عليه بمفتاح وسلم اثنين من الضباط الحضور نسخة من المفتاح، بحسب ما جاء في الكتاب الصادر عن دار المعارف.
حسب الموعد المحدد في الثانية والنصف ظهرا، التقى فريق التأميم في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بكوبري القبة، وكان عدد الذين تجمعوا في مكتب الصاغ عباس 25 فردا، وخارج مبنى القيادة كانت 6 سيارات تنتظر ساعة الصفر المحددة لانطلاق فريق التأميم، حتى وصلوا إلى معسكر الجلاء على دفعات وبعد وصولهم اجتمعوا في مكتب الأميرلاي فؤاد الطودي.
نقطة الانطلاق من كلمة"ديليسبس" في خطاب عبد الناصر
في السادسة مساء بدأ محمود يونس في شرح خطة تأميم قناة السويس للحضور جميعا، وبحسب ما ورد في الكتاب: "سوف يستمع الجميع إلى الراديو وعندما يبدأ الرئيس في إلقاء خطابه في الإسكندرية في السابعة مساء، وعندما يصل إلى كلمة "ديليسبس" نبدأ في التحرك"، أما لحظة دخول مكاتب شركة القناة تحددت عندما ينطق الرئيس في خطابه: "إن هناك إخوانا لكم يقومون الآن بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس".
وعلى الفور جرى تقسم فريق التأميم إلى 3 مجموعات تنفيذية، واحدة للفرع الرئيسي، وأخرى لفرع بورسعيد، والثالثة لفرع السويس.
يصف أبو بكر في كتابه واقع ما بعد إعلان الرئيس عبد الناصر قائلا: "اضطرب الكثيرون في مجلس الوزراء، الخطوة خطيرة البعض يؤيد والبعض يفضل التريث، حتى انتهى النقاش إلى أن يتم ترك الأمر كله لعبد الناصر وحده".
بعدها توجه ناصر إلى ميدان المنشية، ليصبح هذا الميدان شاهدًا على نقطتي تحول في تاريخه، من قبل شهد اشتراك عبد الناصر في المظاهرات ضد الإنجليز، وهو نفس الميدان الذي شهد محاولة إطلاق النار عليه من قبل ونجاته منها، بحسب ما ورد في كتاب أبو بكر.