«فيضانات باكستان».. التغير المناخي يكشر عن أنيابه لسكان كوكب الأرض
جوفان لـ«الوطن»: الأمور تتجه إلى الأسوأ.. وأصبحنا منعزلين بسبب المياه
قرويون يغادرون منازلهم بعدما دمرتها الفيضانات في باكستان
ملايين النازحين قسرا من منازلهم، أراضي مغمورة بالمياه، صرخات أطفال على ظهور أمهاتهم تصدح وسط طوابير فلاحين تركوا قراهم هربا من نعمة تحولت بين ليلة وضحاها لكارثة محققة، لكن أولئك كانوا أوفر حظا ممن حاصرتهم مياه الفيضانات داخل بيوتهم المتهالكة التي صعدوا إلى أسطحها، شاخصة أبصارهم إلى السماء، داعين الله حمايتهم بعدما فقدوا ممتلكاتهم ولم تفصلهم سوى بضع سنتيمترات من الغرق، هذا حال الشعب الباكستاني الذي كشفت الطبيعة لبلاده عن وجهها الغاضب خلال الأيام الماضية.
المناطق الريفية لم تصمد طويلا أمام الفيضانات في باكستان
«أصبحنا أسرى وسط مياه الفيضانات، بالفعل نحن منعزلين عن بقية البلاد، الأمور تزداد سوءا، فالبنية التحتية هنا لم تصمد أمام تلك الفيضانات العارمة، كل شيء هنا يصعب وصفه من الصدمة التي انتابت الجميع»، بهذه الجملة بدأ المواطن الباكستاني ميان جوفان، حديثه لـ«الوطن» عن الفيضانات التي دمرت مساحات شاسعة من بلاده.
لم تصمد قرية «جوفان» كثيرا أمام الفيضانات التي أغرقتها، ما جعل أعداد الضحايا تزداد تدريجيا، ليشارك أهالي قريته في انتشال جثث الضحايا الذين تعدى عددهم الـ30 غريقا، انهارت منازلهم فوق رؤوسهم.
يستكمل جوفان حديثه لـ«الوطن»: «خدمة الانترنت تكاد تكون منعدمة، لكننا نجحنا في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لفترات متقطعة خلال اليوم من أجل مناشدة القرى المجاورة لمساعدتنا».
45 % من الأراضي الزراعية في البلاد دُمرت بسبب الفيضانات
تصريحات المسؤولين في باكستان لم تختلف كثيرا عن حديث المواطنين حول الفيضانات، حيث قالت وزيرة المناخ الباكستانية شيري رحمن إن ثلث باكستان على الأقل وهي مساحة بحجم بريطانيا تقريبا، كانت تغمرها المياه منذ أسابيع، مشيرة إلى أن الفيضانات تعد كارثة ناجمة عن المناخ ذات أبعاد هائلة، على نحو يشكل تهديدا وجوديا لباكستان.
كارثة بيئية خرجت من رحم الفيضانات العارمة، حيث قال وزير التخطيط الباكستاني إحسان إقبال إن حوالي 45% من الأراضي الزراعية في البلاد دُمرت بسبب الفيضانات، وبلغ إجمالي حجم الخسائر نحو 10 مليارات دولار، وهناك أيضا جانب آخر أكثر خطورة يتمثل في مخاوف من شح الغذاء في باكستان.
الفيضانات الناجمة عن هطول أقوى أمطار منذ أكثر من ثلاثة عقود، أودت بحياة 1200 مواطن باكستاني منذ منتصف يونيو الماضي، وألحقت الضرر بأكثر من 33 مليون شخص، معظمهم في المناطق الواقعة بجنوب وجنوب غرب البلاد، بحسب تقديرات حكومية في إسلام آباد.
كما أن الملايين من الأطفال والحوامل يواجهون خطرا في المناطق التي ضربتها الفيضانات في باكستان، وفي حاجة لمساعدة إنسانية عاجلة، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف».
600 ألف سيدة حامل بحاجة لرعاية طبية في المناطق المنكوبة
فيما أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان، في تقرير أن نحو 600 ألف سيدة حامل في المناطق التي ضربتها الفيضانات في حاجة ماسة للرعاية الطبية وخدمات الرعاية العقلية، إضافة إلى أن نحو 73 ألف سيدة من المتوقع أن يضعن مواليدهن الشهر المقبل سوف يحتجن قابلات ماهرات ورعاية للرضع ودعم.
من جانبها، حذرت منظمة الصحة العالمية من مخاطر صحية كبرى آخذة في التشكل وسط أزمة الفيضانات في باكستان، حيث تضرر نحو 888 مرفقا صحيا في البلاد، منها 180 مرفقًا تضررت تضررا كليا، ما خلف ملايين الأشخاص الذين انقطعت بهم السبل إلى الرعاية الصحية والعلاج الطبي، ولم يعد بمقدورهم الحصول عليهما، وذلك بحسب التقارير الواردة للمنظمة الأممية من عدة مناطق متضررة في البلاد، نُشرت كإفادة صحفية في الثلاثين من أغسطس المنصرم.
وعلى صعيد متصل، فإنه ثمة تفاقم لفاشيات الأمراض الموجودة في باكستان، مثل الإسهال المائي الحاد، وحمى الضنك، والملاريا، وشلل الأطفال، وكوفيد-19، لا سيما في المخيمات حيث تضررت مرافق المياه والصرف الصحي.
الأمم المتحدة تخصص 10 ملايين دولار لدعم علاج المصابين في باكستان
وأعلنت منظمة الصحة العالمية تخصيص 10 ملايين دولار من صندوق الطوارئ التابع لها، لدعم علاج المصابين، وتوصيل الإمدادات إلى المرافق الصحية، ومنع انتشار الأمراض المعدية في باكستان في أعقاب الفيضانات الكارثية التي اجتاحت البلاد، حيث قال مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غبرييسوس، إن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الصحية من جراء الفيضانات، إضافة إلى نقص العاملين الصحيين، ومحدودية الإمدادات الصحية تؤدي كلها إلى تعطيل الخدمات الصحية، وترك الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات في خطر متزايد لانتشار الأمراض.
تيدروس الذي تحدث إلى الصحفيين في جنيف، الأربعاء الماضي، أشار إلى أن باكستان كانت تواجه بالفعل تهديدات صحية بما في ذلك كـوفيد-19 والكوليرا والتيفوئيد والحصبة وداء الليشمانيات وفيروس الإيدز وشلل الأطفال، موضحا أن فقدان المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية سيكون له تأثير كبير على تغذية وصحة العديد من المجتمعات التي تعتمد على هذه الموارد.
بدوره وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الفيضانات بأنها «كارثة مناخية»، وحض على المساهمة بجمع 160 مليون دولار من التمويل الطارئ.
كما رجحت دراسة حديثة تستند إلى نماذج مناخية أن تتضاعف الأمطار الموسمية في شبه القارة الهندية أكثر من ست مرات خلال القرن الحادي والعشرين، حتى لو قللت البشرية من انبعاثات الكربون، حيث يقول في هذا الصدد، الدكتور ضومط كامل، رئيس حزب البيئة العالمي، إن التغير المناخي سيزيد من الأزمة التي تواجهها باكستان.
ويضيف رئيس حزب البيئة العالمي لـ«الوطن»: «الهواء الأكثر دفئا سيكون من شأنه الاحتفاظ بمزيد من الرطوبة، ما يجعل هطول الأمطار الموسمية الشديدة أكثر تواترا، لاسيما وأن باكستان لديها جبال يكسوها الجليد، ما يجعل الفيضانات المفاجئة كارثة محققة لمناطقها الحدودية مع أفغانستان والهند والصين».
خسائر اقتصادية وصلت لـ 10 مليارات دولار
الفيضانات المدمرة تسببت في تفاقم الأزمة الاقتصادية في باكستان، والمتمثلة في خسارة ما لا يقل عن 10 مليارات دولار في قطاعات مختلفة من البلاد التي تعاني من الاقتصاد المتعثر ، وفقا لوزير المالية الباكستاني مفتاح إسماعيل.
وقال مفتاح إن هذه هي التقييمات الأولية التي قد تتصاعد بعد إجراء مسحية على الأرض ، حسبما أفادت صحيفة «ذي نيوز» الباكستانية، لكن الوزير لم يكن لديه تفاصيل الخسائر التي تكبدها كل قطاع من قطاعات الاقتصاد في الوقت الحالي.
ولدى سؤاله عما إذا كانت الدولة قد أخذت المانحين بعين الثقة بشأن التقييم الأولي للضرر، أجاب إسماعيل بالنفي.
فيما قالت مصادر رسمية رفيعة المستوى إن إسلام آباد ستسعى أولا للحصول على مساعدة مالية من المجتمع الدولي وبعد ذلك قد تقوم بتقييم الأضرار بشكل منفصل أو بالاشتراك مع المانحين للتوصل إلى الأرقام الدقيقة ، ولكن أولا وقبل كل شيء ستركز الحكومة على جهود الإغاثة الشاملة بالترتيب، لإنقاذ الضحايا، بحسب موقع «بيزنس ستاندر».