ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية عن قيام الولايات المتحدة بإبرام أكثر من 100 صفقة سلاح مع إسرائيل، وتسليمها لـ«تل أبيب» سراً، منذ بداية العدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة، فى السابع من أكتوبر الماضى، لا يؤكد تورط وتواطؤ واشنطن فى هذه الحرب فقط، لكنه يؤكد أيضاً حقيقة أنها أبعد ما تكون عن القيام بدور الوسيط النزيه لإبرام أى اتفاق للهدنة، أو العمل على إحلال السلام فى منطقة الشرق الأوسط، أو أى منطقة فى العالم.
والثابت فى يقين العالم كله أن الولايات المتحدة الأمريكية هى المصدر الرئيسى لعدم الاستقرار فى أنحاء الكرة الأرضية، وهى صاحبة النصيب الأكبر فى انتهاك القانون الدولى، وبسببها يزداد عدم اليقين فى إمكانية ضمان الاستقرار، ودعم قواعد الأمن والسلم الدوليين.
وبنظرة عابرة على تاريخ الولايات المتحدة منذ إعلان استقلالها عام 1976، نجد أن هذا التاريخ الذى لم يتجاوز الـ(250) عاماً ليس سوى قصة حرب مستدامة بدايتها معروفة، ونهايتها مفتوحة حتى الآن.
هذا التاريخ القصير -قياساً بعمر الدول- عاشته أمريكا فى حالة حرب مستمرة، باستثناء أقل من 20 عاماً فقط قضتها فى سلام على فترات متقطعة.
حسبما وصف بعض الكتاب والمؤرخين، فإن الولايات المتحدة أدمنت الحروب، ومنذ نشأتها تقوم سياستها على توسيع أراضيها، وزيادة نفوذها. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وسخَّرت تفوقها المطلق فى المجالات العسكرية والاقتصادية، وفى العلوم والتكنولوجيا، للتدخّل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى ونهبها، وابتزازها بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
رصدت الولايات المتحدة فى ميزانيتها عن العام الماضى (2023) نحو (813) مليار دولار للإنفاق العسكرى -بما يتجاوز إنفاق الدول العشر التالية لها مجتمعة- وهو ما يجعلها تبحث دائماً عن فضاء يستوعب قوتها وتمدّدها وطموحها فى كل قارات العالم، عبر أكثر من 750 قاعدة عسكرية.
استراتيجية الهيمنة الأمريكية ثابتة، ولا يتغير سوى التكتيك فقط مع تغيّر الإدارة فى البيت الأبيض، بداية من مبدأ الرئيس «ترومان» المعروف باسم «سياسة الاحتواء»، وصولاً إلى استراتيجية «باراك أوباما» المعروفة باسم «القوة الذكية»، ثم شعار «أمريكا أولاً» الذى أطلقه «دونالد ترامب»، وحتى خطة «إعادة البناء بشكل أفضل»، التى وضعها «جو بايدن»، كلها تكتيكات مختلفة لاستراتيجية تأمين الهيمنة الأمريكية، وفى سبيل ذلك تنتهك الولايات المتحدة بشكل صارخ مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتتجاوز قواعد القانون الدولى مرات كثيرة.
وتخوض أمريكا الحروب بقواتها أو عبر وكلاء محليين، وأبرز مثال على ذلك الحرب الحالية فى أوكرانيا، التى تنفق عليها بسخاء عشرات المليارات من الدولارات، بخلاف ضغطها على دول أوروبا لدعم أوكرانيا.
الأوكرانيون هم الذين يقاتلون على الأرض، ولكن السلاح والمال والخطط والأهداف كلها أمريكية بامتياز، وتتجاوز آثار المواجهة الجبهة الأوكرانية إلى العالم كله، فى صورة أزمات اقتصادية وكوارث إنسانية.
وللحديث بقية..