بالقوة العسكرية المفرطة، والإنفاق الهائل على التسليح، الذى وصلت نسبته عام 2020 إلى 39% من إجمالى الإنفاق العسكرى العالمى، أعطت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها حق التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، إما بشن الحروب، وإما من خلال تنفيذ استراتيجية الهيمنة بالاحتواء والتخطيط لما يُسمى بـ«التطورات السلمية»، و«الثورات الملونة».
ومن خلال اعتناق ما يُسمى بـ«الاستثنائية الأمريكية»، أفرطت الولايات المتحدة فى التعامل مع بقية دول العالم بالمعايير المزدوجة، ولو أدّت سياساتها تلك إلى تفجير النزاعات، أو إشعال الصراعات، ولم يمنعها أى معيار من معايير القانون الدولى أو المعاهدات -سواء الثنائية أو الدولية- عن الاعتداء على من تعتبرهم خصومها، وفى الوقت نفسه تتعمّد التلاعب بالرأى العام العالمى، وشن ما يمكن وصفه بـ«الغزوات الثقافية» لتصدير قيمها الزائفة إلى بقية دول العالم.
انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وكان من أبرز نتائجها انحسار نفوذ القوى الأوروبية، وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عالمية عظمى، وبسبب استخدامها القنبلة الذرية فى ضرب مدينتى «هيروشيما» و«ناجازاكى» لإرغام اليابان على الاستسلام، انطلق العالم فى التسابق المحموم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل.
منذ انتهاء الحرب العالمية حتى اليوم -أقل من 80 عاماً- خاضت أمريكا بمفردها أو بالمشاركة الكثير من الحروب، بدأتها بالحرب فى شبه الجزيرة الكورية، مروراً بالحرب فى فيتنام، وكوسوفو، وأفغانستان، والعراق، وسوريا، وآخرها الحرب بالوكالة فى أوكرانيا، وهى الحروب التى لم تُسفر عن مقتل الكثير من العسكريين المشاركين فقط، بل أدت إلى إزهاق أرواح ملايين المدنيين، وتفاقم الكوارث الإنسانية.
وحسب تقرير لمجموعة «كود بينك» الأمريكية المناهضة للحروب، أصدرته فى مارس 2021، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بقصف الكثير من الدول، خلال السنوات العشرين الأولى من الألفية الثالثة، حيث أسقطوا فى المتوسط أكثر من 40 قنبلة فى اليوم.
وكان للعالم العربى النصيب الأكبر من الاعتداءات الأمريكية فى العراق وسوريا واليمن والصومال وليبيا، بخلاف تواطئها مع العدو الإسرائيلى فى العدوان الهمجى على غزة.
وفى السجل الأمريكى الأسود، مقتل ما يتراوح بين 180 و200 ألف مدنى عراقى، وفقاً لمعهد «واتسون» للشئون الدولية والعامة، بعد غزو العراق فى عام 2003، رغم المعارضة الواسعة من المجتمع الدولى، وأطلقت أمريكا وقوات التحالف ذخائر اليورانيوم المنضب على مناطق مدنية فى العراق، وأشارت منظمة السلام الهولندية «باكس» فى دراسة نشرتها عام (2014) إلى أن الطائرات والدبابات الأمريكية أطلقت ما يقرب من (10000) قذيفة من اليورانيوم المنضب، وتضمن تقرير موثّق لمنظمة حقوقية مناهضة للحروب، وتم نشره فى مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية قبل 5 سنوات، صوراً لأطفال عراقيين ظهرت عليهم تشوهات خلقية، بسبب استخدام اليورانيوم المنضب فى الحرب.
وبدأ الرئيس الأمريكى الحالى «جو بايدن» عهده بشن هجمات جوية على سوريا، فى أواخر فبراير عام 2021، قبل مرور شهرين على دخوله البيت الأبيض.
الحسابات الأمريكية فى شن الحروب والاعتداءات على الدول الأخرى لا ترتبط باستراتيجية الهيمنة فقط، وإنما ترتبط فى جانب منها بمصالح ومكتسبات شخصية مباشرة لكبار المسئولين، ونواب فى الكونجرس.. وللحديث بقية..