هل نحن على طريق النصر المطلق في غزة ؟ .. سؤال طرحه " يوفال ديسكن " الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي ( الشاباك )، وأجاب عنه في مقال منشور له قبل أيام ، وقال :إن فحص النتائج فى نهاية الخمسة أشهر من القتال في غزة، يظهر أنه على الرغم من الإنجازات المهمة للجيش والشاباك، فإننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق " النصر المطلق ".
وفسر "ديسكن" أسباب توقعه قائلًا: كان يجب أن تدلنا تجارب العمليات السابقة على أن دعمنا بالشرعية الأمريكية والدولية سيتبدد بعد أسابيع من بداية الحرب، كما أن مداولات محكمة العدل الدولية في "لاهاي" تعقد الوضع ، ويمكن أن تمنع أو تقيد كثيرًا تنفيذ المرحلة الأكثر أهمية من مراحل القضاء على "حماس"، و وسط كل هذا هناك الأزمة الإنسانية التى تزداد اتساعًا.
وأضاف الرئيس الأسبق للـ " شاباك " : لا يبدو أننا اقتربنا من استعادة المخطوفين بالوسائل العسكرية ، وما دامت محاولات استعادتهم ستتم عبر صفقة سياسية، فمن المحتمل جدًا أن يكون لذلك تداعيات مهمة على استمرار القتال، وعلى تحقيق الأهداف العسكرية المعلنة.
وأكد "ديسكن" أن العدد القليل لقوات الجيش الإسرائيلي فى غزة، يدل على عدم الاستعداد لاستكمال مهمة حرمان "حماس" من قدراتها العسكرية، وعلى الرغم من إنجازات الجيش، فإن أى طرف لن يستطيع السيطرة على القطاع عسكريا، ما دامت " حماس " لم تهزم كجيش يخوض حرب عصابات بصورة كاملة، و من المستحيل الحديث عن النصر المطلق دون وضع تصور للـ"اليوم التالي" على إنهاء القتال ، وهو ما يفتقده " نتنياهو " وحكومته الفاشلة ، و في ظل غياب طرف قادر على ضبط القطاع، مدنيُا وعسكريًا، ويحافظ على إنجازات الحرب، فإن هذه الإنجازات ستتلاشى، وسترهقنا " حماس " بحرب العصابات، وستزداد الفوضى فى القطاع .و يقول رئيس الشاباك الأسبق أن " نتنياهو " هو من أوصل الإسرائيليين إلى هذا المستنقع ، و إلى أخطر أزمة أمنية في تاريخ إسرائيل ، التي تواجه تهديدات قد تكون وجودية - حسب وصفه - و فعل ذلك بغطرسة لا متناهية ، و جنون عظمة لا نهاية له ، و زعامة شخصية تعتمد على الكذب.
وعن فترة حكم " نتنياهو " الذي وصل لرئاسة الحكومة عام ( 2009 ) ، يقول "ديسكن": وصلت الحوكمة في داخل دولة إسرائيل إلى أدنى مستوياتها، وباتت تشكل خطرًا على الأمن القومي ، و بمرور الوقت يزداد الخطر، و هناك مناطق كثيرة أصبحت خارج السيطرة ، مثل " النقب " و"الجليل"، وازداد نفوذ عائلات المافيا، الذي امتد إلى السلطات المحلية، و إلى الاستحواذ على المناقصات فى شتى أنحاء الدولة، و من بينها مناقصات وزارة الدفاع.
و شكل " نتنياهو " مع المتطرفين المسيانيين ائتلافا بقيادته، والمسيانية حركة إنجيلية بروتستانتية تؤكد على العنصر اليهودي في الإيمان المسيحي ، وتوصف بأنها حركة يهودية عرقيًا مسيحية دينيًا ، و يتكون أتباعها من اليهود المؤمنين بالمسيح ، وترفض المؤسسات اليهودية اعتبار اليهود المسيانيين جزءًا من الطوائف اليهودية ، وحاول من خلال هذا الائتلاف قيادة انقلاب دستوري فى الدولة . ونتيجة ذلك، ازدادت الاحتكاكات بالفلسطينيين من طرف هؤلاء المتطرفين اليهود الذين يحظون بتأييد علني من أطراف فى الحكومة الفاشلة.
ومنح " نتنياهو " المتطرفين المسيانيين بعض الوزارات استراتيجية ، و تولى " بن غفير - مشعل الحرائق وزارة الأمن القومي ، و تسبب في وقوع أضرار دراماتيكية لأمن الدولة دراماتيكية. وأعطى " سموتريتش " - المسيانى المنفصل عن الواقع - وزارة المالية.
ودون أي تخطيط، نشأ فى فترة حكم " نتنياهو " واقع مستحيل لدولة واحدة تضم (4 كانتونات)، مقسمة إلى واحد لليهود والأقلية العربية، والثاني لليهود فى الضفة الغربية، والثالث للفلسطينيين فى الضفة الغربية، والرابع لـ "حماس " فى قطاع غزة. وهذا واقع مستحيل، و يؤدى إلى انفجارات أمنية متكررة .
و من أجل خدمة أهدافه السياسية والقضائية، واصل " نتنياهو ؤ مهمته بتدمير وحدة المجتمع الإسرائيلي. و عمل طوال سنوات على تحريض اليمين ضد اليسار والوسط، واليهود ضد العرب، والمتدينين ضد العلمانيين، وأيقظ الشيطان الطائفي ، و يردد رسائل الكراهية السامة، صباحًا ومساًء ، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وفى وسائل الإعلام.والأخطر من هذا كله - كما يقول رئيس الشاباك الأسبق - هو استمرار " نتنياهو " فى الكذب على الناس ، حتى أصبحت ثقافة الكذب رمزًا لحكمه، وهي دون شك ثقافة مدمرة.
هذا المقال يكشف عمق الأزمة في الداخل الإسرائيلي ، و التي لم تستطع أصوات المدافع التغطية على أصوات الرافضين لبقاء " نتنياهو " في الحكم ، كما يكشف عن مصير هذا " الكذاب " صباح اليوم التالي لإيقاف العدوان على غزة .. السجن في انتظاره ، فالكاتب ليس من أحاد الإسرائيليين ، إنه الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي ، ومن هنا تبرز أهمية المقال .