"ياسر" بـ3 أرواح: كنت شغال "فلاح.. وخباز.. وبقال"
خمسة عشر عاماً قضاها محمد ياسر، بين كثبان التربة الرملية وأشجار المانجو، غير أنه «لكل مقام مقال»، كما يقول الفلاح النحيف الذى استقر فى السنة الأخيرة على تغيير نشاطه بافتتاح مخبز، وما إن نجح مشروعه الأول حتى أتبعه بفتح بقالة فى المحل المجاور. عام من التنقل بين المحلين نحت عود الفلاح السابق، الذى يبيع الجبن والصابون للعمال بيد مكثت فيها بقايا عجين الصباح.
عند عتبة دكان البقالة، وقف «ياسر» ينفض عن وجهه الأسمر وقميصه الفاتح بقايا الدقيق، الذى علق منه ما علق بين رموشه القصيرة وشعره الناحل. وبعدما استظل تحت التعريشة الصاج التى أقامها أمام دكانه على أربعة أعواد من الصلب، قال إنه لم يفرّط فى أرضه وإنما أجّر بعضها وما زال يزرع بعضها الآخر، مضيفاً: «إحنا فلاحين مش بنفرط فى أرضنا».
قبل خمسة عشر عاماً، استقر «ياسر» وزوجته، التى تجمعه بها صلة قرابة، فى قرية التقدم، وافدين من بلديهما الأصلى كفر الشيخ، «كل السنين دى كوم والسنة الأخيرة كوم، لأنها فرقت معايا فرق السما من الأرض، ومش معايا لوحدى، لأ؛ مع خط القناة كله»، يضيف صاحب البقالة والمخبز الجديدين.
بعد ممانعة فى أول الحديث، وافق «ياسر» على التقاط صورة أمام دكان البقالة، قائلاً «لو فى مصلحة البلد صورنى»، لكنه ظل حريصاً طوال الحديث مقتضب العبارات والإجابات. وتابع بعد ذلك أن قرية التقدم كلها شهدت ازدهاراً فى السنة الأخيرة: «القرية ماكانتش تعرف لها صبح من مسا، كانت دايماً هادية، بس السنة الأخيرة ماكنتش تعرف تمشى من كتر العربيات، لدرجة أن عربية نقل دهست عيّل صغير»، ويتابع: «بس أبوالواد وأهل القرية سكتوا، لأنهم عارفين أن سكوتهم فى مصلحة البلد».
انتعاش الحالة التجارية فى قرية التقدم، انعكس على الحالة الاقتصادية لأسرة «ياسر» المؤلفة منه وزوجته وأطفاله الثلاثة، أكبرهم فى الثامنة.
تراجع أعداد العمال بعد انتهاء المشروع، عوضته زيادتهم فى مشروع آخر، وهو مشروع الإسماعيلية الجديدة، الذى بدأ منذ نحو سبعة أشهر، الأمر الذى دفع الكثير من سكان القرية، كما يقول «ياسر»، للاستمرار فى فتح المزيد من دكاكين البقالة لخدمة عمال مشروع المدينة الجديدة المتوقع أن يستمر لسنوات مقبلة.
لا تقتصر قائمة المستفيدين من مشروعى البقالة والمخبز على «ياسر» وأسرته فقط، وإنما تتسع أكثر لتشمل عدداً من العمال يتقاضون شهرياً «12 ألف جنيه»، حسبما يقول محمد ياسر الذى يردف: «ماقلقتش وقت ما جيت أفتح المخبز والبقالة؛ لأن الواحد لو قلق مش هيعمل حاجة، وإحنا مجرد أسباب، بنعمل ونتوكل على الله وربنا بيكرم، طالما حاسبينها كويس، ولو محل فتح وفشل فده سوء تقدير من صاحب المشروع نفسه، مش من الوضع».
لم يستخرج صاحب المخبز والبقالة أى رخصة لعمل دكانيه، لكنه يشير إلى أن السلطات متفهمة وضع القرية الاستثنائى خلال السنة الأخيرة: «علشان كده ماحصلش معانا أى مضايقات من الشرطة، بل على العكس، الشرطة كانت متعاونة جداً وفيه تسهيلات.