مؤامرة دنيئة تحاك بليل، وتدار بدهاء وحرفية، يتسلل مدبروها بخبث مستغلين فيها البعض منا، ينفذون تلك المؤامرة بحملة ممنهجة ومسعورة ضد مؤسسات الدولة، وأعنى جيداً لفظ «مؤسسات» لا «قيادات أو أفراد»، يختارون بعناية مؤسسات لها صلة وثيقة بالمواطن، هيئات ومصالح يتعامل معها كل بيت فى كل شارع وفى كل قرية، حملة مقصدها الوحيد فقدان الثقة وانعدامها فى هذه الهيئات والمؤسسات، يختارون توقيت ذبح هذه المؤسسات بعناية فائقة، توقيت تكون فيه هذه الجهات هى محور اهتمام الأسر والمواطنين.. أعرض لبعض من هذه الهيئات المستهدفة، التى يروجون الآن مفاهيم مغلوطة ضدها بأن كنترول الثانوية العامة فاسد ومخترق، تسرق منه وتبدل فيه أوراق الإجابات حسب الهوى، تُعطى درجات من يستحق لمن لا يستحق، طابونة لا رابط ولا حاكم فيها، وزارة التربية والتعليم تحمى ذلك الفساد وترعاه، مصلحة الطب الشرعى مسيّسة، تكتب تقاريرها على هوى الحكومة، مكاتب التنسيق تجامل البعض من الكبار على حساب الضعفاء، رؤساء الجامعات يحابون أولاد الكبار من ضباط الشرطة والقضاة والعسكريين، أبناء الغلابة لا مكان لهم فى هذا البلد، وزارة التعليم العالى تنحاز للوجهاء وتحارب الفقراء.. كل هذا الهجوم يتم تناوله وتسويقه فى توقيت تكون فيه هذه الجهات هى الشغل الشاغل لكل أسرة فى مصر، يصورون الأمر على أن هذه الجهات خربة ومهلهلة وهى العدو للمواطن البسيط.
ألم يسأل أحد منا نفسه: لماذا كل هذا؟ ولماذا الآن؟ ألم يسأل أحد نفسه عن نتيجة هذا الهجوم الشرس والعنيف؟
أوقن أنه لو تم عمل استطلاع رأى الآن فى الشارع المصرى عن هذه الجهات المستهدفة ومدى مصداقيتها ستكون النتيجة مخيفة، مرعبة؛ فالمواطن مسكين، غلبان، بيصدق، النيران بدأت تشتعل فى هذه الهيئات، بعضها بقصد مع سبق الإصرار والترصد والبعض الآخر بغير قصد وبحسن نية.
فاستهداف مؤسسات الدولة وهدم مقوماتها وهز ثقة المواطن فيها بات محور هذه المؤامرة.
تؤمن هذه العناصر المتآمرة أن الدولة -أى دولة- تنهار عندما تفقد نقاط القوة والارتكاز والاستقرار، تنهار عندما يفقد مواطنوها علاقتهم وثقتهم فى مؤسسات دولتهم، أرى فى الأفق هذه المؤامرة تطل برأسها.. على سبيل المثال، فمنذ إعلان نتيجة الثانوية العامة وحتى الآن يعيش المجتمع المصرى حالة من اللغط الشديد نتيجة التناول الإعلامى المكثف حول قضية الفتاة مريم ملاك صاحبة صفر الثانوية العامة الذى أصبح أهم وأشهر من صفر المونديال الذى حصلت عليه مصر إبان تقدمها لاستضافة كأس العالم.
انفعالات وتشنجات تجتاح كل البرامج التليفزيونية والصحف المصرية التى تحولت معها هذه الفتاة إلى ضحية سُرقت منها أوراق إجاباتها وتبدلت بأوراق أخرى.
ولأننا شعب يتعاطف بطبعه فقد أصدر الجميع أحكامهم على تلك الواقعة بغير علم ودون تريث، ذهب خيال البعض إلى رسم سيناريوهات للواقعة، فالبعض منهم قطع بأن أوراق «مريم» تم استبدالها لصالح أحد أبناء مسئول كبير، والبعض الآخر جزم بأن إدارة الكنترول فى تلك المنطقة فاسدة وباعوا أوراق المسكينة لمن دفع لهم، إلى آخر العديد من القصص التى نسجوا فصولها من خيالاتهم المريضة دون التحقق من صحة الأمر وحقيقته.
وخيراً ما فعله وزير التعليم بأن أحال الأمر برمته لجهات التحقيق القضائية لإثبات أو نفى ما تدعيه الطالبة صاحبة الشكوى التى ارتكنت إلى مصلحة الطب الشرعى صاحبة الرأى الفنى لإثبات ما إذا كانت الأوراق قد تم استبدالها بأوراق أخرى من عدمه وما إذا كان الخط المدون بتلك الورقات صادراً عن تلك الفتاة أو عن غيرها.
وقد تم استكتاب الطالبة وعمل المضاهاة بين أوراق الإجابة وما استكتبت فيه، ووفقاً لما نشر وما صدر عن المتحدث الرسمى لوزارة التعليم فقد انتهى تقرير الطب الشرعى إلى أن أوراق الإجابة التى تخص الطالبة والتى حصلت فيها على صفر هى أوراقها، وأن الخط المدون بها هو خطها.
وبهذا القول الفصل كان واجباً على الجميع أن يصمت بعد أن أثبت الطب الشرعى عدم صحة ادعاء الطالبة، أيضاً كان واجباً احترام ما صدر عن تلك الجهات القضائية المحايدة، لكن المصيبة والطامة الكبرى استغلال هؤلاء المتآمرين للزخم الإعلامى الذى تسبب فى تعاطف قطاع واسع من الرأى العام مع القضية. وقع البعض بقصد أو بغير قصد فى شرك التشكيك بمؤسسات الدولة لدرجة وصل معها البعض إلى تكذيب تقرير الطب الشرعى وعدم تصديق ما ورد فيه، حالة شديدة من الاستقطاب تَعَرَّضَ لها الكثير من أبناء الوطن كى ينحازوا إلى فقدان الثقة فى تلك المصلحة والقائمين عليها وما يصدر عنها من تقارير. وهو الأمر الذى سَيُستَغل حتماً فى التشكيك فى تقارير هذه المصلحة كى يُتَخذ تكأة للانقضاض على منظومة العدالة فى مصر والتشكيك فى مصداقية إجراءاتها وأحكامها. وعلى ذات الدرب كانت احتجاجات واضطرابات أمناء الشرطة وتصعيدهم العنيف والسريع ضد وزارة الداخلية وما صاحب هذه الاعتصامات من غلق لمديرية أمن الشرقية واستعداء باقى الأمناء فى مختلف المديريات لفرض مطالب وشروط فئوية على قيادات تلك المؤسسة، الذين رضخوا بالفعل لبعض تلك المطالب دون الأخرى الأمر الذى اهتزت معه ثقة المواطن فى هذا القطاع الأمنى المهم فى حياة المصريين، ورغم أن تصرفات أمناء الشرطة قد تكون فئوية خالصة وقد يكون مقصد أصحابها حسناً، فإنه على الوجه الآخر قد تم استغلاله من المتآمرين بسوء قصد محاولين النيل من هيبة تلك المؤسسة الشرطية وفقدان ثقة المواطن فيها.
وفى السياق ذاته ما تم ويتم حالياً بشأن الاعتراض على قانون الخدمة المدنية ومحاولة جمع أكبر عدد من موظفى المصالح الحكومية المختلفة للاعتراض على ذلك القانون وإسقاطه مسوقين لهم الحجج المختلفة الداعية لزيادة الكراهية فى هذا القانون وإيغار صدور الخاضغين لأحكامه، يسوقون تلك الأفكار والأسباب بصورة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، يتخفون خلف أقنعة العدالة الاجتماعية والحفاظ على حقوق العمال والموظفين وهم فى الحقيقة يزرعون الحقد والغل داخل قلوب هؤلاء الموظفين لقتل روح الولاء والوطنية داخلهم وصولاً لصدام حتمى بين الموظف ودائرته الحكومية التى يعمل فيها بعد أن أدخلوا فى روعه أن خصمه الحقيقى هو مؤسسته التى يعمل فيها مما يؤدى حتماً إلى اهتزاز ثقة المواطن والموظف والعامل فى تلك المؤسسات والمصالح الحكومية للوصول إلى الهدف الرئيسى من هذه المؤامرة.
أفيقوا يا سادة ولا تنجرفوا وراء تلك الأقنعة الزائفة والألسنة الكاذبة التى تُظهر عكس ما تُبطن.. أوقفوا هذه الأمواج المستمرة التى تستهدف مؤسسات الدولة وتحاول جاهدة نحر أعمدتها وحوائطها لتنهار على من فيها. وللأسف الشديد سيكون قاطنو هذه المؤسسات والعاملون فيها ضحية هذا الانهيار.. أوقفوا هذه المؤامرة الخبيثة قبل فوات الأوان لأن وقتها لن يُفيد الندم.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية.