«كلاحين قفط»: بطء الإجراءات يعيق عمل المصانع وشبح الإغلاق يطارد المستثمرين.. «مش عارفين نشتغل»
إحدى العاملات داخل مصنع منتجات غذائية
جلس داخل مصنعه مرتدياً عباءته الداكنة وفى إحدى يديه كوب من الشاى لم يذهب عنه دخانه بعد، ومن حوله سكتت المعدات عن الحركة، بعد أن تركها العمال فى ساعة استراحتهم، بينما كانت الأركان مملوءة بذلك المنتج، متراصاً بجوار بعضه البعض، ومطبوع عليه بخط صغير اسم المصنع: «الطويل للطوب الأسمنتى».
«شغالين بقالنا 21 سنة، وكنا أول ناس فى المنطقة الصناعية دى»، كلمات بدأ بها «عبدالحميد الطويل» أحد ملاك المصنع، حديثه، ليشير إلى تاريخ طويل من المعاناة التى لم تنتهِ مع مرور الزمن، كان أثقلها عليه الشروط «التعجيزية» التى يتم وضعها على المستثمر من وقت لآخر، ما يكلفه المزيد من النفقات دون أى تسهيلات تذكر: «المنتج بتاعنا الحكومة بتحتاجه فى الطرق، والمفروض إن الدولة تشجع المصانع المرخصة زينا وتاخد منها منتجها، إنما ده مبيحصلش وتلاقى الحكومة بتدور على الأرخص حتى لو كان من مصنع بير سلم، ومن ناحية تانية ياخدوا مننا ضرايب وتأمينات وفلوس ملهاش أول من آخر تعجزك ومتخليكش عارف تشتغل، فى حين إنهم سايبين مصانع بير السلم من غير ده كله وبالتالى بتنتج بنص تكلفتنا وبتضربنا فى السوق».
مصنع إنتاج خلايا شمسية ينتظر الكهرباء منذ عام.. ومسئول: «خدنا موافقة بـ2 ميجا ولسه موافقات شق الطريق».. و«الطويل»: «مش لاقيين عمال»
لم تكن «الشروط التعجيزية» وحدها المعوق بالنسبة لـ«الطويل»، وإنما غابت الخدمات كذلك المفروض توافرها فى المنطقة، الأمر الذى يزيد الأعباء عليه يوماً بعد آخر، وكانت الطرق واحدة من بين هذه الخدمات المفقودة، فأغلبها غير ممهد ما يعطل عمل المصنع فى كثير من الأحيان، حيث لم يتم تطوير طرق المنطقة منذ 10 أعوام كاملة، حسبما قال «الطويل»، هذا إلى جانب العديد من المشكلات فى ما تبقى من خدمات: «الكهربا تعتبر روح المصانع ومينفعش نشتغل نهائى من غيرها، ورغم كده بتقطع بشكل دايم، وأبسطها امبارح، الكهربا قطعت على المكنة وهى فيها المونة، وده غلط عليها وممكن تبوظ بسبب كده، وديه مكنة تمنها 2 مليون جنيه ومفيش منها فى مصر، غير إن المونة نفسها بتبوظ فى كل مرة الكهربا تقطع فيها، وياريتهم مثلا ينذروك قبلها ويعرفوك إن الكهربا هتقطع، كان الوحد عرف يظبط شغله».
سياسة الاعتماد على النفس كانت هى سبيل «الطويل» لمحاربة شبح الإغلاق، ومن ثم لم يكن أمامه سوى العمل بيديه بسبب ارتفاع الأسعار، فضلاً عن عزوف العمال عن المنطقة لقلة الخدمات بها: «اللى إحنا فيه دلوقتى ده توريطة ورجلك اتحطت فيها وعشان نسحبها بيتنا هيتخرب، لأننا شاريين مكن غالى وعندنا التزامات وتعاقدات، وفى نفس الوقت لو احتجنا نجيب مكن حديث يوفر فى العمالة نلاقى إننا هندفع جمارك بضعفين سعرها، ويوم ما بنقول عايزين نعمل توسيع نشاط ونعمل خط إنتاج جديد بيعقدونا، وعايز لك 5 سنين تجرى فى الورق ويكون معاك واسطة وزير».
وعلى بعد أمتار من مصنع «الطويل»، كان صرح كبير لم يمر على إنشائه الكثير من الوقت، ومن أمامه وضعت لافتة كبيرة كتب عليها بخط واضح: «مصنع إى جروب للطاقة المتجددة»، إلا أن حداثة المصنع لم تكن شفيعة له من «المعاناة» التى بدأت معه منذ اللبنة الأولى التى وضعت به، وهو ما تحدث عنه «ربيع أحمد»، نائب المدير التنفيذى للمصنع، ملخصاً إياها فى أزمة الكهرباء، التى ما زالت لم تصل إلى المصنع حتى الآن رغم مرور عام كامل على اكتمال بنائه: «إحنا فى المنطقة هنا بقالنا سنة ونص، قعدنا سنة عشان بس ناخد موافقات توصيل الكهربا، رغم إننا مخلصين كل التجهيزات من بدرى».
«الطويل»: «يوم ما بنقول عايزين نوسع نشاطنا بيعقدونا وعايز 5 سنين تجرى فى الورق وتكون واسطتك على الأقل وزير»
4 خطوط إنتاج داخل المصنع، تبدأ بخط التجميع، مروراً بخط تصنيع السخانات الشمسية، ومن ثم خط إنتاج الزجاج، وأخيراً خط إنتاج الخلية نفسها، وجميع هذه الخطوط، حسب «ربيع» متوقفة الآن فى انتظار توصيل الكهرباء للمصنع: «آخر حاجة وصلنا ليها إننا خدنا موافقة على 2 ميجا، بس لسه فاضل إجراءات شق الطريق وتوصيل الكابلات».
مشروع هو الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، لذا كان لا بد من الاهتمام به بصورة أكبر من ذلك، وفق ما قال «ربيع»، لما سيوفره من فرص عمل كثيرة: «ممكن بداية التشغيل يكون فى المصنع ألف عامل وموظف، ولما نوصل لتشغيل 3 ورديات ممكن نوصل لألفين عامل شغالين فى المصنع، ودى حاجة مهمة على الأقل بالنسبة لمحافظة قنا نفسها بدل ما سكانها بيروحوا يشتغلوا فى محافظات تانية».
ويقول أحمد عبدالحميد، صاحب شركة المصرية الدولية للصناعات الغذائية، إنه يواجه العديد من المشكلات فيما يخص عمليات التصدير، حيث يُصدر منتج مصنعه إلى عدد من الدول العربية، وأكثر ما يؤرقه فى هذا الأمر هو عملية استخراج الشهادات الصحية للمنتج: «الإجراءات الصحية فى مصر مكلفة جداً ومعقدة، غير إنها بتاخد وقت كبير عقبال ما تطلع وده بيعطلنى وممكن يضيع عليا فرصة التصدير خصوصاً اللى بيكونوا عايزين طلبيات بشكل سريع، وده بيضطرنى ساعات إنى أضرب شهادات صحية عشان أنجز وقتى».
وفى جانب آخر من جوانب المدينة الصناعية، كان واحد من مصانع إنتاج عجينة الصلصة: «شركة الوادى للصناعات الغذائية»، متوقفاً منذ فترة بسبب العديد من المشكلات التى واجهته خلال الأعوام القليلة الماضية، كان من بينها ارتفاع أسعار الطماطم وغيرها من الخدمات التى يعتمد عليها المصنع بصورة كاملة، وحول أزمة المصنع، يقول صاحبه ياسين سليمان إنه يعيش فى هذه الأزمة منذ فترة طويلة، بدأت منذ أن دخلت الصين فى صناعة «الصلصة»، وأنشأت أكبر مصنع على مستوى العالم، وبدأت فى إنتاج طن «الصلصة» بأسعار قليلة مقارنة بأسعاره فى مصر، ما جعل العديد من المصانع تعتمد على الاستيراد منه بدلاً من التصنيع، وظل هذا الوضع قرابة 4 أعوام، إلى أن رفعت الصين أسعارها بما جعل هناك فرصة للتصنيع مرة أخرى، إلا أن الرياح لا تأتى بما تشتهى السفن عادة، ليعبر «ياسين» عن صدمة أخرى بقوله: «كانت فلوسى خلصت فى الفترة دى، وقُلت أشتغل بسياسة تشغيل الغير، وجبت شركة هتتحمل تكلفة التطويرات اللى المصنع محتاجها واللى كانت 350 ألف جنيه، لكن فجأة الجنيه اتعوم والمبلغ ده بقى أكتر من الضعف».
لم يكن تعويم الجنيه وحده هو الصدمة التى تلقاها «ياسين»، وإنما كانت هناك مفاجأة أخرى فى انتظاره، عندما رفض المزارعون زراعة الطماطم بعد ذلك، وارتفع سعرها من متوسط 3 جنيهات للكيلو، إلى 7 جنيهات، وتلك كانت الطامة الكبرى بالنسبة له: «الصلصة متقدرش تشتغل إلا إذا كان سعر كيلو الطماطم جنيه، وكل المصانع وقفت بسبب كده». موقع صاحب المصنع القريب من اتخاذ القرارات لفترة من الفترات، حسب ما قال، جعله على يقين «إن الدول مبتساعدش متعثر»، فقد طلب المساعدة أكثر من مرة، إلا أن أحداً لم يسمعه رغم أهمية نشاطه، ومع ذلك فهو لا يعترض على سياسة تعويم الجنيه، حيث يرى أنه أمر كان لا بد منه، على حد قوله: «فى كل الأحوال إحنا فى حاجة إن الإصلاحات الاقتصادية تؤتى ثمارها وده مش هيحصل إلا لما سعر الدولار يوصل 13 جنيه وأنا أعتقد إنه هيبدأ فى النزول بداية من السنة الجاية وهو ده أول حجر الزاوية».
من جانبه، يقول عبدالرزاق توفيق، المدير المسئول بالمنطقة الصناعية بكلاحين قفط، إن المنطقة بها 60 مصنعاً، يعمل منها 32 ما بين قطاع غذائى وصناعى وكيميائى، و7 مصانع أخرى متوقفة تماماً بسبب تعثر المستثمرين مالياً، وجارٍ سحب الأراضى المخصصة لهم لعدم قيامهم بإعادة التشغيل منذ فترة طويلة، و9 مصانع تحت الإنشاء، مشيراً إلى أنه تم تخصيص 10 أفدنة للحرفيين ومصانع منتهية الصغر لتكون صناعاتها مكملة للمصانع الكبرى وسد احتياجاتها.
ويرجع «عبدالرزاق» سبب قلة عدد المصانع فى المنطقة، رغم عمرها الذى تجاوز 19 عاماً، إلى تأخر إنشاء منطقة الحاويات فى ميناء سفاجاً البحرى، معبراً بقوله: «مش معقول يكون فيه مدينة منتجات مصانعها قابلة للتصدير وأنقلها من الجنوب للشمال عشان أصدرها»، مؤكداً أن إتمام العمل فى منطقة الحاويات فى ميناء سفاجا سيزيد الاستثمار بمعدلات عالية. وحول أوضاع البنية التحتية للمنطقة، يقول «عبدالرزاق»، إنها سليمة ولكنها تحتاج إلى إعادة تأهيل تماشياً مع الطلب على الاستثمار فى المنطقة خلال الفترة المقبلة موضحاً أن قرض البنك الدولى مخصص منه 500 مليون جنيه لإعادة تأهيل المناطق الصناعية فى قنا وسوهاج لتكون جاذبة للمستثمرين، مطالباً بسرعة عمل هيكل تنظيمى للمنطقة الصناعية فى قفط حتى تسهل حل مشكلات المستثمرين مع القطاعات الأخرى فى الدولة.