صناعة الأحذية فى دمياط.. راحت عليها ومش هترجع تانى
«محمد» يتحدث عن انهيار صناعة الأحذية فى دمياط
دكان صغير، استقر فى نهاية أحد الشوارع بدمياط، فُتحت «ضلفة» واحدة من بابه الخشبى المطلى باللون الأخضر، تعلوه تاندة، وأمامه مقعد وطاولة من الخشب، جلس عليهما محمد إبراهيم السقا، بملامح تدل على عدم كسره حاجز الأربعين من عمره، مرتدياً بنطلوناً وقميصاً، يكتظ الدكان بعدد من الأحذية، والجلود المعلقة فى كل زوايا الدكان، إذ إنه ورثها عن والده، الذى كان يعمل فى مجال صناعة الأحذية، وكان من أشهر صناع المحافظة، فيقول «محمد»: «من يوم ما جيت الدنيا، وأنا شايف أبويا شغال فى صناعة الأحذية، وكانت دمياط وقتها مشهورة بصناعة الأحذية».
«محمد»: «دلوقتى دمياط بقى اهتمامها كله بالموبيليا ولو قُلت لحد اشتغل فى الأحذية هيقول لى لأ نجار أحسن»
اختلف الوضع الآن فى دمياط، فلم تعد تشتهر بصناعة الأحذية كما كان قديماً، وذلك على حد تعبيره: «المهنة راحت مع اللى راحوا، كل اللى كانوا شغالين فى الصناعة دى زمان، ماتوا والمهنة ماتت معاهم».
منذ 10 سنوات مضت، كان يشغل هذا الدكان عدداً كبيراً من الصنايعية، على حد تعبيره: «الورشة دى كانت مليانة صنايعية، لأن الشغل كان كتير، والإنتاج كبير، كان بيتباع بالجملة، مش قطاعى، لكن دلوقتى مش لاقيين صنايعية تفهم فى الشغلانة، لأن كل اللى كانوا شغالين فيها كانوا كبار فى السن، ولما ماتوا، ما بقاش فيه شباب عارفين الشغلانة.. من 3 سنين كان عندى 3 صنايعية، بس كلهم ماتوا، ومن وقتها الصناعة وقفت»، قالها «محمد» بنبرة صوت غاضبة، وملامح يشوبها الحزن، على صنعة والده التى تنقرض يوماً بعد يوم.
يرى «محمد» أن دمياط أصبح شغفها كله فى صناعة الموبيليا، والتجارة فيها، وأهملوا صناعة الأحذية تماماً: «دلوقتى دمياط بقت اهتمامها كله بالموبيليا، يعنى لو جيت دلوقتى قلت لواحد تعالى اشتغل فى الأحذية، يقول لى لأ أشتغل نجار أحسن».
«بقالنا 3 سنين ما بنصنعش أى حاجة خالص، وعايشين على الحاجات اللى متصنعة قبل كده، من أيام أبويا والصنايعية اللى كانوا معاه»، بصوته الأجش، قالها «محمد» عند حديثه عن وضع الأحذية حالياً، وأضاف: «حالياً مابقيناش نشتغل حاجة بإيدينا إلا قليل قوى، يعنى لما حد يطلب حاجة معينة، بنعملها له، كل شغلنا تصفية للحاجات اللى عندنا، وطبعاً بنبيعها بأسعار قليلة جداً عن غيرها، يعنى ممكن يكون سعرها 60 أو 70 جنيه».
وعن الزبائن الذين يُقدمون على شراء هذه «البواقى»، قال «محمد»: «فيه ناس غلابة كتير، وبتيجى تشترى منى البواقى، لأن بيكون سعرها أرخص كتير من برة، وهتوفر معاه كتير».
«إخواتى كلهم سابوا الشغلانة دى، وأنا الوحيد اللى لسه باقى عليها، عشان اسم أبويا يفضل موجود»، قالها «محمد»، وأشار إلى أنه لن يعمل فى مهنة أخرى، غير ذلك: «الدنيا هنا عمرها ما هترجع زى الأول، وكل يوم عن اللى قبله الوضع بيسوء.. ربنا يعينّا ويسترها معانا».