حقوقيون «تحت طلب الأجانب».. وسياسيون: الاستعانة بالخارج «خيانة عظمى»
بعض الحركات الشبابية تم استغلالها لمصلحة قوى خارجية بعد ثورة يناير «صورة أرشيفية»
دأب نشطاء وسياسيون وقيادات مجتمع مدنى على إجراء مقابلات مع سفراء ومسئولى دول أجنبية فى مصر، كان آخرها لقاء جمعهم بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى القاهرة، على مأدبة غداء السفير الفرنسى فى منزله، وتناول جملة ادعاءات روجها الحاضرون حول حجب المواقع الإلكترونية وتطبيق عقوبة الإعدام، وأوضاع السجون فى مصر، وغيرها من القضايا التى تحظى بهوى الغرب، بحسب ما نشره جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومحمد زارع، مدير مكتب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان فى مصر، عبر صفحاتهما على موقع التواصل الاجتماعى.
وأثار اللقاء حالة من الاستهجان فى الأوساط السياسية والحقوقية، ووصفه البعض بأنه استقواء بالخارج لم يكن الأول فى تاريخ من يسمون أنفسهم بالنشطاء، وسبق أن كانت تلك الاتصالات سبباً فى إسقاط عضوية محمد أنور السادات، النائب السابق بالبرلمان، مؤسس إحدى الجمعيات الأهلية، على خلفية تقديم غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، مذكرة إلى مجلس النواب تفيد بتسريب النائب مشروع قانون الجمعيات الأهلية المقدم من الحكومة لإحدى السفارات الأجنبية، بالتزامن مع مناقشته تحت قبة البرلمان، وهو ما يعد مخالفة صريحة للائحة المجلس.
مدير «ابن خلدون» أصدر تقارير تُشكك فى الانتخابات الرئاسية.. وبحث مع التنظيم الدولى للإخوان آليات إعادة الجماعة للمشهد السياسى فى مصر
تتضمن القائمة مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية د. سعد الدين إبراهيم، الذى استغل كل صغيرة وكبيرة أثناء سفره إلى الخارج وحضوره ندوات ومحاضرات بالجامعات الأوروبية لمهاجمة مصر وتشويه صورة النظام، فضلاً عن إثارته الدائمة للقضايا الطائفية، وكان آخرها خلال لقائه بالسفير الإسرائيلى لدى القاهرة ديفيد جوفرين، حيث هاجم الدولة، وأصدر تقارير عن المركز تُشكك فى الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن تلقيه دعوة من التنظيم الدولى للإخوان لزيارة تركيا للبحث عن آليات تُعيد الجماعة إلى المشهد السياسى فى مصر مرة أخرى.
ويعد أيمن نور، رئيس حزب الغد الأسبق، الهارب إلى تركيا، أبرز نماذج الاستقواء بالخارج، ومن حاولوا بشتى الطرق هدم الدولة المصرية، وهو الهدف الذى حصل لأجله على ملايين الدولارات من قطر وتركيا، تحت مزاعم واهية مثل تطوير قناة الشرق (إحدى نوافذ الإخوان الإعلامية لمهاجمة مصر)، فضلاً عن علاقته القوية بالأمريكان التى أثبتتها تقارير «ويكيليكس»، وأفادت بحصول «نور» على أموال أمريكية على فترات متقطعة، ونُسب إليه إنفاق تلك الأموال أثناء ترشحه فى الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 2005.
ويأتى الناشر هشام قاسم لاعباً رئيسياً ضمن قائمة «النشطاء»، وكان دوره الأبرز تقديم صورة كاملة لأمريكا عن كيفية تخريب الإعلام المصرى بمزاعم تأسيس صحافة مستقلة فى مصر بديلاً عن الصحافة القومية، ضمن محاولة للسيطرة على مراكز اتخاذ القرار. وهو صاحب رصيد فى جولاته المستمرة بين القاهرة وواشنطن، فضلاً عن مقابلاته المنفردة مع السفير الأمريكى بالقاهرة، وحصل «قاسم» على جائزة الديمقراطية السنوية الخاصة بالموقف القومى من أجل الديمقراطية، وتسلمها من الرئيس الأمريكى الأسبق «جورج بوش» الابن عام ٢٠٠٧، الذى استقبله بعدها بحديقة البيت الأبيض، ضمن وفد يضم ٤ نشطاء من دول العالم، وتناقشوا حول مستقبل الديمقراطية فى الشرق الأوسط، وخلالها هاجم «قاسم» مبارك ونظامه بدعوى اغتيال مساحات الحرية والديمقراطية فى البلاد.
وكشف سير الأحداث فى أعقاب ثورة يناير، تلقى الكثير من الحركات والشباب تدريباً فى دولة صربيا على كيفية إدارة حروب الجيل الرابع، واستغلوا تدريباتهم فى إحداث حالة من الفوضى حلت بالبلاد إبان تلك الفترة.
ويربط النائب مصطفى بكرى، عضو مجلس النواب، النشاط المحموم لجبهة «النشطاء» بوجود حرب ممنهجة ضد مصر كان هدفها تدمير العقول، ويُطلق عليها حروب الجيل الرابع، عملوا من خلالها على فصل الشباب عن تاريخهم وبلادهم، والبعض تعرض للخداع بشعارات صادرة من مؤسسات حقوق الإنسان عن العدالة وقيم التسامح، وهو ما دفع البلاد فى النهاية إلى حالة من الفوضى.
أضاف «بكرى» لـ«الوطن»: «من يستقوى بالخارج هم الطابور الخامس الذى جرى إعداده فى الخارج وتدريبه بالداخل فى إطار ما يسمى بمنظمات المجتمع المدنى، والتى تعتبر من وجهة نظرى (بوتيكات) للارتزاق وتقديم المعلومات إلى الخارج مقابل الدولارات».
واستطرد: «مثل هذه الأمور تمثل اختراقاً للأمن القومى يستوجب التصدى له، وأمريكا نفسها لا تسمح بوجود مثل هذه العناصر التى تتلقى تمويلاً من الخارج مقابل تقديم معلومات تضر بالأمن القومى»، مؤكداً أهمية استمرار المادة التى تمنع تلقى تمويلات أجنبية ضمن قانون الجمعيات الأهلية، مشدداً على ضرورة محاكمة الشخص الذى يُسرب معلومات تضر الأمن القومى بتهمة الخيانة العظمى.
وأوضح «بكرى» بداية ظهور تلك المنظمات فى مصر مع بداية الثمانينات، والدور الذى لعبه سعد الدين إبراهيم خلالها، مضيفاً: «إبراهيم هو (عراب) هذه المنظمات وعلاقته بها واضحة، واعترف قبل ذلك بتلقيه أموالاً من جامعة (حيفا) الإسرائيلية بزعم إجراء أبحاث مشتركة، وتطور الأمر إلى أن رأينا مجموعة من الشباب تقودهم بعض الأجندات الغربية يرفعون شعارات مناهضة للدولة، فى ظل حالة الاحتقان المجتمعى، وكان هدفهم فصل الجيش عن الشعب لكن آمالهم جميعاً قد خابت». من جانبها، قالت المستشارة تهانى الجبالى، النائب الأسبق لرئيس المحكمة الدستورية: «بكل المقاييس نحن من نسمح بأوضاع تخل بالسيادة الوطنية، ولا أفهم كيف لرئيس دولة أن يزور رئيس دولة أخرى فى إطار رسمى، ثم يلتقى بمواطنين ونشطاء».
تابعت: «إذا كان مسموحاً لرئيس فرنسا بالجلوس والاجتماع مع المواطنين، فمن حق رئيسنا بالمثل السفر إلى فرنسا والجلوس مع أصحاب السترات الصفراء، وإعلانه التضامن معهم، وأرى أن لقاء مسئولين دوليين بالمواطنين خلال زياراتهم لمصر ليست جديدة، وحدثت فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكان بإمكان أى سفير أن يتجول فى مصر وكأنه حاكم».
«الجبالى»: إذا كان مسموحاً للرئيس الفرنسى بالجلوس مع مواطنين مصريين فمن حق رئيسنا السفر إلى فرنسا والتضامن مع أصحاب السترات الصفراء
وأشارت «الجبالى» إلى أن علاقات رؤساء الدول تتم بدعوات وتنسيق رسمى بين الجانبين، ولا يجوز بأى حال تجاوزها لأنه سيُعد وقتها خروجاً عن الأعراف الرسمية، ومن يستقوى بالخارج ويستغل مثل تلك الزيارات فى الحشد ضد الدولة لا يمكن وصفهم إلا بالعملاء مدفوعى الأجر، بحسب كلامها.
«ويكيليكس»: واشنطن أنفقت على حملة ترشح أيمن نور للرئاسة أمام «مبارك» وسعد الدين إبراهيم يهاجم الدولة المصرية فى لقائه بالسفير الإسرائيلى ويثير القضايا الطائفية لزعزعة الاستقرار
ووصف النائب محمد أبوحامد، عضو مجلس النواب، طلب مواطن مصرى لأى مسئول أجنبى أو جهة أجنبية بالتدخل فى الشأن المصرى بأنه «جريمة»، وأنه يجب التفرقة بين لقاء مسئول أجنبى بحكم المنصب، وما يفرضه من مناقشة قضايا متعلقة بالدولة، وبين مقابلة مسئول أجنبى بهدف التحريض على الدولة وتشويه صورتها.
وأشار إلى أنه فى زيارة سابقة للرئيس الفرنسى السابق فرانسوا أولاند إلى مصر، اجتمع بعدد من السياسيين والنشطاء الذين طالبوه بمنع إمداد مصر باحتياجاتها من السلاح الفرنسى، والذى نستخدمه للدفاع عن مقدراتنا الوطنية ضد الإرهاب، وقال: «عندما التقى نائب فى البرلمان بسفير إحدى الدول وطلب منه التدخل فى الشأن المصرى، اتخذ البرلمان كافة الإجراءات على الفور، وأُسقطت عضويته، لا سيما أن مقابلة المسئولين الأجانب تستوجب إجراءات محددة، أبرزها العلم المُسبق لمجلس النواب وبأسبابها والقضايا التى سيتناولها اللقاء»، مشدداً على ضرورة أن تجد الدولة حلولاً لمواجهة هذا النوع من التحريض.