أقام النجاشي وليمة احتفالا بزواجها.. قصة أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان
دار الافتاء - صورة أرشيفية
أقام النجاشي ملك الحبشة، وليمة كبرى جمع فيها المسلمين المهاجرين للحبشة وغيرهم احتفالا بزواجها بالنبي الكريم، حيث أرسل النبي رسولا للنجاشي للزواج منها خلال فترة هجرتها للحبشة.. إنها أم المؤمنين السيدة رملة بنت أبي سفيان.
تقول دار الإفتاء المصرية، في تقرير لها عبر موقعها الرسمي: السيدة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما هي أم المؤمنين، السيدة أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب، كان أبوها سيد بني أمية، وأحد سادات مكة، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية.
ولدت "أم حبيبة" قبل الإسلام، وتزوجت من عبيد الله بن جحش الأسدي، وهو ابن عمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أميمة بنت عبد المطلب، وولدت له بنتا وهي حبيبة فكانت تكنى بها.
ثم أسلمت السيدة رملة هي وزوجها، وحسن إسلامها وقوي إيمانها، وعاشت معه تلك التجربة القاسية التي لاقاها المؤمنون في بدايات الدعوة في مكة، وما انطوت عليه من معاناة مريرة وأحداث مروعة، ولم يكن ثمة مخرج من هذه الحال سوى هجرة الأوطان، وترك الديار إلى أرض تسمح لهم بحرية العبادة، ووقع الاختيار على أرض الحبشة، فهاجرت هي وزوجها وبنتها مع مجموعة من المسلمين إلى الحبشة؛ فرارا بدينهم من أذى قريش، ليظفروا بالأمن والأمان.
وأضافت الدار في تقريرها: أثناء هجرته للحبشة ارتد زوجها عبيد الله عن الإسلام، ومات هناك، فحزنت السيدة رملة رضي الله عنها لهذا حزنا كبيرا، فهي في بلاد غريبة وحيدة لا زوج لها، ولا أهل معها غير ابنتها، فلما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما حدث لها، وما يعتريها من حزن أحب أن يجبر خاطرها، فأرسل رسولا إلى النجاشي، ملك الحبشة وهو عمر بن أمية الضمري يطلب منه أن يزوج السيدة أم حبيبة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يسمح للمسلمين المهاجرين بالعودة إلى المدينة المنورة، فعرض أمر زواج السيدة أم حبيبة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففرحت بهذا فرحا شديدا، ووافقت، ثم وكلت خالد بن سعيد بن العاص بن عبد شمس لإتمام عقد الزواج.
تابعت الدار: أقام النجاشي وليمة جمع فيها المسلمين هناك احتفالا بهذا الزواج المبارك، ثم أمر النجاشي بتجهيز سفينتين محملتين بالهدايا، وأمرهما بحمل المسلمين المهاجرين ونقلهم إلى المدينة المنورة، فعادت أم المؤمنين السيدة أم حبيبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة.
وقبل أن يصل جيش المسلمين إلى مكة في فتح مكة أسلم أبوها أبو سفيان بن حرب، وكانت السيدة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها تعيش مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كباقي أمهات المؤمنين في حياة بعيدة عن الترف، وفيها زهد عن متاع الدنيا وزينتها، وكان هذا الزواج في السنة السابعة للهجرة، وكان عمرها يومئذ ستة وثلاثون سنة، فظلت معه صلى الله عليه وآله وسلم في حياته محبة له، تتذكر دوما كيف عطف عليها وقت محنتها، وكانت راضية مطمئنة في حياتها.
وقالت الدار: شهد لها القريب والبعيد بالذكاء والفطنة، والفصاحة والبلاغة، وكانت فوق ذلك من الصابرات المجاهدات، ويظهر جهادها وصبرها من خلال هجرتها إلى الحبشة مع زوجها تاركة أهلها وقومها، ثم صبرها على الإسلام عندما ارتد زوجها ثم مات بعد ذلك، فصارت وحيدة لا زوج لها ولا أهل، وفي غربة عن الديار، لكن الإسلام يصنع العجائب إذا لامس شغاف القلوب، فثبتت في موطن لا يثبت فيه إلا القليل، مما رفع قدرها، وأعلى منزلتها في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأراد مواساتها بزواجه منها.
وكان لها مع والدها أبي سفيان وقفة براء من الشرك وأهله، فإنه لما قدم المدينة راغبا في تمديد الهدنة، دخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طوته دونه، فاستنكر والدها ذلك وقال: يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني؟ أم رغبت بي عنه؟، فأجابته إجابة المعتز بدينه المفتخر بإيمانه: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنت امرؤ نجس مشرك، إشارة إلى نجاسة الاعتقاد.
وكانت أم المؤمنين السيدة أم حبيبة رضي الله عنها عالمة عاملة؛ فقد روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتب المحدثين بضعة وستين حديثا، وبعدما رحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاشت السيدة رملة في حجرتها حزينة لفراقه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد حجت السيدة رملة مع أمهات المؤمنين في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي آخر حياتها رضي الله عنها لما مرضت واشتد عليها المرض دعت أم المؤمنين عائشة وأم سلمة وقالت لهما: قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر فحللاني من ذلك، فلما حللاها وسامحاها استبشرت واستنار وجهها، وتوفيت رضي الله عنها سنة أربع وأربعين للهجرة، وكانت قد بلغت من العمر اثنان وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع، بعد حياة حافلة بالصبر في سبيل الله.