شوقى علام: «شماتة الإخوان» فى الموت تضاف لتاريخهم الأسود
ونواجه التطرف بتفنيد الشبهات ومرصد الفتاوى والزيارات للخارج
مفتى الجمهورية خلال حواره لـ«الوطن»
أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، أن «الإحصاءات أثبتت وقوع طلاق واحد فى ألف حالة من حالات الانفصال»، ناصحاً من يتصدى لمسائل الطلاق بأن يتمهل ويتحقق من الأمر أولاً قبل إقرار وقوعه، لافتاً إلى أن «منتدى شباب العالم»، هذا الحدث المهم الذى عُقد فى شرم الشيخ، ومن قبله النسخ السابقة من هذه المنتديات واللقاءات، فى الحقيقة، يعوَّل عليها فى سبيل بناء هذه الأمة.
وقال «علام»، فى حوار لـ«الوطن»، إنَّه مع اقتراب شهر رمضان، تسعى الجماعات المتشددة لترسيخ آراء وفتاوى شاذة تُعسِّر على الناس، خاصة فيما يتعلق ببداية الصيام والإفطار وإخراج الزكاة، مشيراً إلى أن شماتة أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية فى الموت والمصائب، أمور كلها بعيدة عن تعاليم الإسلام، لافتاً إلى أن مصير الإنسان بيد الله سبحانه وتعالى وحده وليس فى يد أى أحد، وإلى نص الحوار..
بعد انعقاد منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ الذى ضمَّ مشاركين من 196 دولة من قارات العالم.. ما رسالتك لهؤلاء وجميع الحاضرين؟
- ذلك يتصل تماماً بعمق التقدم والنهضة، فلا توجد أمَّة تتقدَّم تنهض إلا بفعل سواعد وقوة وقدرة وحماس الشباب، ولذلك تهتم الدولة بهذا التوجه القويم من أول لحظة تولى فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم، وهو يولى الشباب أهمية خاصة فى المجالات كافة، ففى مجلس النواب نسبة كبيرة جداً منهم، لم تكن معهودة قبل ذلك، وفى السلطة التنفيذية ونواب المحافظين ونواب الوزراء، فهم، بعد تدريب وتأهيل كبير جداً، أصبحوا الآن قيادات فى المحافظات والوزارات المختلفة، ونحن أمام طفرة لم تكن موجودة قبل ذلك، وهى اهتمام كبير بالشباب، ونحن نراها أنها نقطة فى سبيل التقدم وتتبعها نقاط ونقاط ستُبنى عليها، ولذلك هذا الحدث المهم الذى عُقد فى شرم الشيخ ومن قبله النسخ السابقة من هذه المنتديات واللقاءات فى الحقيقة يعوَّل عليها فى سبيل بناء هذه الأمة.
تظهر شماتة أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية مع وفاة كل إعلامى أو سياسى أو أى شخص كان مناهضاً لفكرهم.. كيف ترى ذلك؟
- الشماتة فى الموت أو المرض أو المصائب، حدث كبير وفيه الرهبة، والحقيقة أن كل ما يُفعل وما تابعناه على مواقع التواصل يتعارض تماماً مع مسلك سيدنا رسول الله، لأنه كان يُمثل النموذج الأمثل للرحمة والبحث عما يمكن أن يعذر به الإنسان فى الحياة الدنيا، وهو خطر كبير جداً أن نصنف الناس ونقول هذا فى الجنة وهذا فى النار، بناء على رغبات وشهوات وأهواء لدى ذلك الإنسان، ولا يمكن أن يتأله أحد على الله سبحانه وتعالى، ولا أحد يعلم أن فلاناً هذا سيكون من الناجين أو من المخلدين فى النار، وأوجه هذا الكلام إلى شبابنا حتى يفهم الحقيقة، أن الآيات الكثيرة التى يستدل بها هؤلاء فى وجود ما يمكن أن يبرر لهم الشماتة هذه، لم تنزل فى المؤمنين ولا المسلمين ولكن نزلت فى أقوام آخرين، ولذلك من الخطأ وفق هذه المنهجية أن نقصد إلى آيات نزلت فى غير المسلمين وننزلها على المسلمين، وكان سيدنا عبدالله بن عمر يعيب على الخوارج فى منهجهم، لذلك علينا بالرحمة وترك الناس ومآلهم لله سبحانه وتعالى، ونحن الأحياء نرجو أن نلقى الله وهو قد عفا عنَّا وندعو بالرحمة والمغفرة للأموات الذين ماتوا وأقبلوا على ربهم، ولا تكون الشماتة هى المعول عليها، هذا الذى فعلوه فى الحقيقة نقطة سوداء تضاف لتاريخهم الأسود، وينبغى أن تلين القلوب للحظة الموت، وقرأت أن القلوب التى صدرت هذا الكلام ونشرته قلوب متحجرة وغطيت وغمى عليها بلون أسود لم يرَ شيئاً.
أنجزنا 95% من خطط دار الإفتاء خلال 2021.. ونسعى إلى رقمنة العمل
ماذا قدَّمت دار الإفتاء خلال الفترة السابقة؟
- «الإفتاء» تضع خططاً قصيرة المدى وأخرى خمسية، ونبحث فى نهاية كل عام ماذا سنفعل فى العام المقبل وفقها، وماذا أنجزنا فى العام الماضى، ووجدنا إنجازات كنا قد وضعناها وفق الخطة تحققنا منها بما يزيد على الـ95%، منها الفتاوى التى تصدر من الدار وتعطى اطمئناناً للمجتمع، فتحقق بطريقة غير مباشرة أمناً فكرياً وراحة للمستفتين، بحيث إنه يطمئن على مسيرة سلوكه الإنسانى فى هذه الحياة، والذى لو تُرك دون جواب ودون بحث عن حل هذه المشكلة، ستتلقفه جماعات وتغذيه بأفكار وإجابات معينة تحقق أغراضاً سياسية، فضلاً عن إنشاء فرع للدار فى بنى سويف، وقريباً جداً فى مرسى مطروح، وآخر فى طنطا، وأصدرنا خلال العام الماضى «المَعْلَمَة المصرية لعلوم الفتوى»، وهى مَعْلَمَة لم تكن قبل ذلك بهذا التفكير، وأصدرنا منها 22 مجلداً، والآن نُعد لأن نصل فى هذا العام إلى 30 مجلداً، وهى مخططها 60 مجلداً، وتُعنى بكل ما يتصل بالفتوى فى مثلثها من العلم الشرعى والعلم الإدارى وكذلك من طريقة كتابة الفتاوى من الناحية الفنية والتقنية شديدة التخصص، وبناء على كل ذلك نقول إن الإنجازات كبيرة.
وماذا عن خطة الدار فى العام الجديد؟
- خطة عام 2022، تتمثل فى دولاب العمل الطبيعى الذى نسير به، وهذا يعمل على نحو مرقمن أكثر، فيه راحة للناس من حيث إنه يمكن للمستفتى أن يدخل تطبيقات الدار ويرى الفتوى المكتوبة الخاصة به وما هى الأوراق المطلوبة، وبدلاً من أن يأتى إلى الدار، يستطيع وضع هذه الأوراق وهو فى منزله بما يطلبه هو إذا كان يُريد فتوى فى نوع معين أو شفوى أو لجنة فض منازعات أو وحدة الحوار التى تُعنى بدفع الشبهات ودفع الإلحاد وتعمل منذ 5 - 6 أعوام، وكذلك مركز الإرشاد الأسرى الذى يعمل الآن بكفاءة عالية، بالاشتراك مع علماء النفس والاجتماع، بجانب العلم الشرعى، نحن نستثمر فى هذا الجانب، لأننا نرى أن الاستثمار فى هذه الجوانب يحقق حماية للأسرة والإنسان على وجه العموم.
بتطرقك إلى حرص الدار على الحفاظ على الأسرة.. ماذا عن جهودها للحد من ظاهرة الطلاق؟
- نوجِِّه رسالة لكل من يتصدى لأمر الطلاق أنه لا بد من التمهل والتبصر والانتظار والتحقق فى المسألة، قبل أن نقول إن هذه السيدة طالق من هذا الرجل، وإنه طلَّق زوجته، وهذا التبصر وضعنا له خطة وإجراءات، من خلال مراحل ثلاث فى الفتاوى فى الطلاق؛ المرحلة الأولى: أمين الفتوى الذى يستقبل الزوجة والزوج، ويرى المسألة، ثم إذا وجد أن هناك شكاً فى وقوع الطلاق يحيل الأمر إلى لجنة أعلى، ثم اللجنة الأعلى قد تُحيله إلى المفتى، ومن واقع هذا التأنى والتبصر والتحقيق فى أمور الطلاق اتضح لنا بالفعل أن أغلب حالات الطلاق التى يقولها الزوج فى ظروف معينة هى لا تقع، وبناء على ذلك كانت الفتوى هى أيضاً صمام أمان بالنسبة للمجتمع فى زيادة نسبة الطلاق، بمعنى أن هذا الزوج عندما يأتى إلينا ونسأله، يقول فى بعض الحالات «كانوا ناصحينى أن أسجلها عند المأذون ونوثقها عنده، وعندما أتيت إلى الدار اتضح أن الطلقة لم تقع وحصل لدىَّ اطمئنان»، ومن ناحية أخرى فإنَّ السيدة المصرية بطبيعتها حريصة على أن تسير العلاقة الزوجية فى دائرة المشروعية والحلال، وتكون دائماً مهمومة حتى إذا أصدر زوجها طلاقاً هكذا ليس واقعاً، لكن هى أيضاً تحتاج إلى أن تطمئن، ويأتى الاثنان، وأكثرها حالات غضب وإكراه وظروف معينة وجهل.
نواجه فتاوى الجماعات المتشددة الغريبة.. وأنشأنا مركز «سلام» لمواجهة التطرف
ما الطريقة الأمثل لمواجهة التطرف والتنظيمات الإرهابية ومنعهم من استقطاب المزيد من الشباب؟
- الفكر لا يُقابل إلَّا بالفكر، وإذا استعصى تفكيك الفكر المتطرف وتمسك هؤلاء به، تكون هناك إجراءات أخرى، لكن أخذنا هذا المنهج من سيدنا عبدالله بن عباس، رضى الله عنهما، عندما ذهب إلى الخوارج فى مكانهم وحصر ما عندهم من الشبه، وأخذ يُفند لهم الشبه شبهة شبهة، إلى أن رجع معه ما يُقارب الألفين من الناس اقتناعاً بما وصل إليه، فنحن نحتاج إلى هذا التفكير، ولذلك فى 2014، أنشأنا مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، لرصد الفتاوى التى تؤرق وتدعو إلى العنف وعدم الاستقرار وإلى شبه كبيرة جداً، بحيث تكفر الناس وتؤدى إلى تفسيقهم وقتالهم بعد ذلك، فالمرصد يعمل 24 ساعة، يرصد ثمَّ يُحلِّل ثم نكتب تقارير، تُرفع إلى المراكز المتخصصة، وكذلك نستفيد منها بإرسال رسائل إلى الشباب بوسائل مختلفة، حتى نقى هذا الشباب من براثن هذا الفكر المتطرف، وأصدرنا أهم الكتب التى تُعنى بمحاربة التطرف باللغتين الإنجليزية والعربية، وأصبحت هذه الكتب مراجع لمحاربة الفكر المتطرف، منها: «التأسلم السياسى»، وهذا كتاب يرصد حركة التأسلم السياسى منذ الخوارج إلى وقتنا هذا، ويقول فى رسالة واضحة إن هذا الفكر فشل فشلاً ذريعاً فى إيجاد أرضية له، ولا أساس له فى واقع المجتمعات، وإن الناس قد وعوا الدرس، خاصة المجتمع المصرى، ونرى فى كثير من الدول أن هذا التأسلم انتهى، والكتاب الثانى: «الدليل المرجعى لمكافحة التطرف»، وهو ضخم وكبير ونحن الآن نُجزئه ونقسمه إلى كتيبات ستصدر فى معرض الكتاب عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، بالتعاون مع الدكتور هيثم الحاج، ومن أهم الذى نُفذ أيضاً فى مكافحة التطرف، هذه الرحلات الخارجية لنا خارج مصر ولقاء الناس والتلاقى بالأفكار ومحاصرة هذا الفكر المتطرف فى أماكن عديدة، فضلاً عن إنشاء مركز «سلام» لدراسات التطرف، بالإضافة إلى المرجع المصرى لدراسات التطرف الذى نحن الآن فى طور البداية فيه وبدأنا فيه بالفعل، وأنجزنا منه البعض، ونطمح خلال هذا العام أن نتم هذا العمل الكبير، لأنه يقع فى 30 مجلداً تقريباً.
تطرقت إلى سفرياتك العديدة للخارج.. ماذا لاحظت خلالها عن صورة الإسلام؟ وهل من السهولة تصحيح صورته فى ظل انتشار الجماعات المتطرفة؟
- هناك محوران؛ الأوَّل: هو المجموعات الإرهابية، وهى بالفعل شوهت صورة الإسلام، بحيث إنه من يسمع عن الإسلام فى الغرب، تأتى الصورة التى تصدرها المجموعات الإرهابية، لكن غالباً لا تأتى الصورة التى عليها الأزهر والدار أو المدارس العلمية العريقة التى صدرت خطاباً إسلاميَّاً هادئاً يبنى ولا يهدم، يعمر ولا يخرب، يحمى الإنسان والبنيان ويُحافظ على مقاصد الشريعة من حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل، هذا الخطاب يكاد يكون فى فكر الغرب توارى، ولذلك نشأت فكرة الخوف من الإسلام مع وجود عوامل أخرى أيضاً، فعوامل المجموعات الإرهابية جزء من منظومة متكاملة وبطبيعة الحال، والمجموعات الإرهابية صنعتها أجندات معينة، ولذلك الإسلام شوه بأيديهم، والمحور الآخر: هو أننا فى أثناء الزيارات الخارجية نلحظ أن العالم متشوق ويحتاج إلى مصر، وقد لامسنا هذه المطالبات الكثيرة جداً فى أنه لا بد أن يكون الشأن الدينى المصرى حاضراً بكثرة هناك عندهم، ونجد أن العوامل كثيرة جداً، فمصر فيها الأزهر بكل قوته وتاريخه ولها تاريخ طويل جداً وحضارة وتراث وتاريخ ضخم من فهم النص الشرعى على نحو سديد، ويكفى أن الدار التى عمرها يزيد على الـ125 عاماً، وتولاها أكابر العلماء عندها خبرة طويلة فى العمل الإفتائى.
تكثف الجماعات المتطرفة جهودها قبل وخلال شهر رمضان لنشر فتاوى ضالة حسب أهوائهم.. ما أبرز الذى ترصدونه خلاله؟ وكيف يتم الرد عليها؟
- عندما نكون على مقربة من شهر رمضان، نلاحظ أنَّ هذا فكر وفقه وافد علينا على الطبيعة المصرية والمنهج الأزهرى السديد، بأنه يريد أن يضع له قدماً فى أمور العبادة، ونجد فتاوى غريبة جداً، على سبيل المثال عندما نصلى الفجر، يكون الإمساك قبل الفجر، لكن نجد تعمداً من بعض الأشخاص فى إظهار شىء هو «خطر على الصائم أن يشرب الماء أو يأكل والأذان يؤذن»، ويقول إنه كان المسلك كذا، وعند الإمساك لا يجوز لنا بحال أن نتجاوز هذه اللحظة وألا نكون على خطر الإفطار، والعلماء بحثوا أنه حتى إذا ظن المكلف أن الليل باقٍ ما الحكم فى ذلك، وإذا المكلف ظن أن النهار انتهى فيفطر، هذه مسائل بحثية لا نقف عند حكمها فقط، لكن نأخذ لماذا أنتم تتعبون أنفسكم فى هذا التفريع وهذا التشقيق والبحث عن حكم هذه المسائل، يقولون لنا إننا ينبغى أن نحتاط فى أمر الصوم، ولذلك هذا المسلك من بعض هؤلاء الناس خطر شديد جداً وخطأ فى مجال المنهجية فى الصوم، وتأتى أيضاً فتوى غريبة، يُحاول البعض أن يُرسخها ويضغط على المجتمع ونحن لا بد أن نفعل ذلك، وإذا لم نفعله يكون خطأ، وهو فى زكاة الفطر، نحن نريد أن تكون بالمال، لكن يكون هناك إلحاح أنها لا تجزئ ويخطّئ القول الآخر، مع أن هؤلاء الذين يقولون بذلك إذا رجعوا إلى أئمتهم الأوائل سيرون أنهم يرجحون القول بإخراج القيمة أو المال لأن الإسلام، فضلاً عن النصوص الشرعية المؤيدة، جاء لكل العالم، ولو أننا صدرنا وقلنا لا تجزئ إلا إخراج الأرز أو الذرة أو القمح ونحن نعيش فى باريس، فماذا يكون قول المسلمين هناك؟ سيقولون إننا لم نُعطِهم بديلاً، فليس الناس فى حاجة إلى القمح الآن، وإنما إلى أموال يشترون بها رغيف الخبز المصنوع من القمح.