علي جمعة: الأخلاق في الإسلام تكفل الخير للبشرية بكل زمان ومكان
الدكتور علي جمعة
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، إن المتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يقف على مدى الاهتمام بالأخلاق الإسلامية في إطارها العام المتمثل في الأمر بكل بر والنهي عن كل إثم، والبر في أحد معانيه يراد به معاملة الخلق بالإحسان إليهم، فقال ابن عمر رضي الله عنهما إن البر شيء هين، وجه طلق، وكلام لين إن الأخلاق الإسلامية تسمو على كل المذاهب والنظريات الأخلاقية التي لا تزال حائرة تنشد المقياس الخلقي الثابت، ولن يكون ذلك إلا في الهدي الإلهي المحكم، فإن للأخلاق المنبثقة عن الإسلام سمات تتحقق بها ولا تتحقق في غيرها على هذا النحو من الكمال، وذلك لأنها: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).
خصائص الأخلاق في الإسلام أنها تكفل الخير للبشرية
وأضاف جمعة، في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن الأخلاق تصب في مصلحة الفرد والمجتمع وتعد حجر الزاوية في البناء، كما أنها توحد بين الدنيا الآخرة في نظام ليس فيه صراع ولا تناقض، بل قوامه الثبات والعدالة والرحمة الشاملة، ولذلك كان من خصائص الأخلاق في الإسلام أنها تكفل الخير للبشرية كلها في كل زمان ومكان، فقال تعالى في سبب بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، فبعثته صلى الله عليه وسلم كانت رحمة للعالمين جميعاً، بما جاء به من الأخلاق لجميع الناس مهما اختلفت الأجناس واللغات.
وشرح جمعة أن ما تمتاز به الأخلاق في الإسلام هو الثبات، وذلك لأن المشرع الحكيم راعى فيها كفالة الخير الدائم العام، فهي ليست نسبية تتغير من فرد إلى فرد، ومن مجتمع إلى مجتمع، ومن زمان إلى زمان، ولا تمليها المصلحة ولا تسيرها المنفعة، بل هي ثابتة لا تتغير، لأنها من عند الله عز وجل، وقد بين الله تعالى جملة الأخلاق الصالحة والآداب الحميدة في القرآن الكريم والسنة النبوية بيانا ليس فيه لبس ولا غموض ليحفظ للمجتمع المسلم تماسكه أفرادا وأسرا وجماعات، وليقيم له وحدثته المتراصة وشخصيته المتميزة التي تجعله خير الأمم.
ما فرقته البشرية في مجال الأخلاق هو حق ضمه القانون الأخلاقي الإسلامي
ومن سمات الأخلاق الإسلامية أيضا أنها توصف بالعموم فلم تدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك، فما فرقته البشرية في مجال الأخلاق باسم الدين وباسم الفلسفة وباسم العرف أو المجتمع مما هو حق قد ضمه القانون الأخلاقي الإسلامي، ونظم ذلك القانون علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته ببني جنسه، بل وبكل عناصر الكون، وهذا دليل التكامل والشمول النابعين من وحدة العقيدة بالأخلاق الإسلامية تعبر عن مطالب الإنسان الفرد وعن مطالب الجماعة تعبيرا متكاملا ينتهي بغرائزها ومشتهياتها إلى غاياتها المشروعة الصحيحة، فهي لا تكتفي بمجرد وضع المثل الأعلى للسلوك العقلي الذي ينشده الإنسان بعقله فقط بل إنها تقيم المثل الأعلى للإنسان في جميع أنماط سلوكه الوجدانية والغريزية والعقلية، وهي لا تقوم على العصبية أو التفرقة العنصرية، بل هي عامة للبشرية في أي مكان علي وجه الأرض، لأنها مشتقة من الفطرة الإنسانية الأصلية، كما أنها شاملة للإنسان في ذاته قلبا وقالبا فتخلق فيه وحدة ذاتية متكاملة لا تنفصم عراها ولا يختل انسجامها وتوازنها، إذ هي مستمدة من عقيدة التوحيد الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان.