الدعاء عنده مستجاب.. في مصر «بركة الأب علي ورأس الابن زيد»
التبرك بمقامه أملاً فى «رضا ومحبة وخير»
تتبارك مصر بمشهد الإمام على زين العابدين بن الحسين بن على سليل البيت النبوى، إلا أن كثيرين لا يعرفون أن الإمام على توفى ودُفن فى البقيع بجانب عمه الحسن وابنه محمد وحفيده جعفر، وأن المقام القائم فى القاهرة هو مقام ولده الإمام زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن على رضوان الله عليهم أجمعين، إلا أن العامة فى مصر يتبركون بالوالد، فسُمى المسجد والمكان باسم الإمام على زين العابدين، فحظى المقام المصرى برأس «ابن الأكرمين»، الإمام زيد، وبركة والده الإمام على زين العابدين.
البركات تعم مشهد سيدنا زيد والدعاء عنده مستجاب
يقول الإمام المقريزى فى «الخطط»، عند الكلام عن المشاهد التى يُتبرك بها بمصر، إن المشهد المعروف بزين العابدين إنما هو مشهد رأس زيد بن على زين العابدين بن الحسين، وكان يُعرف قديماً بمسجد محرس الخصى. وقال القضاعى: مسجد محرس الخصى بُنى على رأس زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب حين أنفذه هشام بن عبدالملك إلى مصر ونصبه على المنبر بالجامع فأخذه أهل مصر ودفنوه فى هذا الموضع.
وذكر ابن عبدالظاهر أن الأفضل ابن أمير الجيوش لما بلغته حكاية رأس زيد أمر بكشف المسجد، وكان وسط الأكوام ولم يبقَ من معالمه إلا محراب، فوجد هذا العضو الشريف. وقال محمد بن الصيرفى: حدثنى الشريف فخر الدين أبوالفتوح، خطيب مصر، وكان من جملة من حضروا الكشف، قال: لما خرج هذا العضو رأيته وهو هامة وافرة وفى الجبهة أثر فى سعة الدرهم، فضُمِّخ وعُطِّر وحُمل إلى داره حتى عمر هذا المشهد، وكان وجدانه يوم تاسع عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وكان الوصول به فى يوم الأحد. وقال المقريزى: ومشهده باقٍ إلى الآن فى مصر يتبرك به الناس، وقال بعضهم: والدعاء عنده مستجاب والأنوار تُرى عليه. وما ذكره المقريزى من أن تسمية هذا المشهد بمشهد زين العابدين خطأ يشهد له اتفاقهم على دفن زين العابدين بالبقيع.
المصريون حموا رأسه الشريف من التمثيل به.. وأقاموا له مشهداً داخل المسجد
يروى الشيخ مؤمن بن حسين بن مؤمن الشبلنجى، فى كتابه «نور الأبصار فى مناقب آل النبى المختار»، الذى قدمه الدكتور عبدالعزيز محمد سالمان، قصة سيدنا زيد ابن سيدنا على زين العابدين واستشهاده ووصول رأسه الشريف لمصر ودفنه بأرض المحروسة: كان زيد بن على، رضى الله عنهما، شجاعاً ناسكاً، وكان من أحسن بنى هاشم عبادة وأجلّهم سيادة، وكانت ملوك بنى أمية تكتب إلى صاحب العراق أن امنع أهل الكوفة من حضور مجلس زيد بن على، فإن له لساناً أقطع من السيف وأبلغ من السحر والكهانة. وكان سيبويه يحتج بشعر زيد، وكان نقش خاتمه «اصبر تؤجر، اصدق تنجح».
وعن واقعة استشهاد زيد يقول صاحب «نور الأبصار»: ذات يوم خرج زيد على هشام بن عبدالملك وقد طمحت نفسه للخلافة، فحاربه يوسف بن عمر الثقفى أمير العراقين من جهة هشام، فانهزم أصحاب زيد عنه بعد أن خذله أكثرهم، وكان قد بايعه ناس من أهل الكوفة، وطلبوا منه أن يتبرأ من أبى بكر وعمر، لينصروه فقال «كلا، بل أتولاهما»، فقال له بعض الناس: «نحن نتولاهما ونتبرأ ممن تبرأ منهما»، فقبلهم وقاتلوا معه، ثم أصيب بسهم فى جبهته اليسرى ثبت فى دماغه فأنزلوه فى دار وأتوه بطبيب فانتزع النصل فضجّ زيد، ومات فى صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة، عن اثنتين وأربعين سنة.
وكنيته أبوالحسن وتُنسب إليه الزيدية، إحدى طوائف الشيعة، وكان بالمدينة المنورة، وقال عنه جعفر الصادق: «كان والله أقرأناً لكتاب الله وأفقهنا فى دين الله وأوصلنا للرحم، والله ما ترك فينا لدنيا ولا لآخرة مثله». وقال أبوإسحاق السبيعى: «رأيت زيد بن على فلم أرَ فى أهله مثله ولا أعلم منه ولا أفضل منه، وكان أفصحهم لساناً وأكثرهم زهداً وبياناً». وقال «الشعبى»: «والله ما ولدت النساء أفضل من زيد بن على ولا أفقه ولا أشجع ولا أزهد، وقال «أبوحنيفة»: شاهدت زيد بن على كما شاهدت أهله فما رأيت فى زمانه أفقه منه ولا أعلم ولا أسرع جواباً ولا أبين قولاً، لقد كان منقطع القرين، وكان يُدعى بحليف القرآن، قرأ مرة قوله تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) فقال إن هذا لوعيد وتهديد، ثم قال: اللهم لا تجعلنا ممن تولى عنك فاستبدلت به بدلاً.