لم تترك الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة للمحكمة الجنائية الدولية لأن تعمل بمعزل عن الضغوط منذ تأسيسها عام (2002)، كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم الاعتداء.
والمثير للدهشة أن أمريكا وربيبتها إسرائيل سحبتا توقيعهما على قانون المحكمة، وأشارتا إلى أنهما لا ترغبان فى العضوية التى ستحملهما عبء تنفيذ ما يترتب عليهما من التزامات تجاه المحكمة.
وتتوقف ردود فعل الإدارات الأمريكية تجاه قرارات «الجنائية الدولية» بين العداء الصريح والدعم المباشر، وفقاً لمدى توافقها، أو تعارضها مع سياسات «واشنطن».
وعبرت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن الغضب الأمريكى بعد مطالبة المدعى العام للمحكمة «كريم خان» باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو»، ووزير دفاعه «جالانت»، بأنه ينطوى على مخاطر بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية.
وأكد رئيس مجلس النواب الأمريكى «مايك جونسون» وجود هذه المخاطر، بعد أن أكد أن المجلس قد يصوت على عقوبات ضد المحكمة الجنائية الدولية، وضمان مواجهة قياداتها لعواقب إذا مضوا قدماً فى تصعيد المواجهة مع إسرائيل.
وفى مقابلة أجراها مع شبكة «سى إن إن» الأمريكية كشف «خان» عن تعرضه لتهديدات على ضوء طلبه إصدار مذكرات اعتقال بحق «نتنياهو» و«جالانت»، وقال إن أحد كبار الساسة (لم يكشف عن اسمه) قال له صراحة: هذه المحكمة أٌنشئت من أجل أفريقيا، ومن أجل السفاحين مثل «بوتين».
هذا الموقف الغاضب من إدارة الرئيس «بايدن» يتناقض تماماً مع موقفها فى مارس من العام الماضى (2023) عندما أشادت بـ«الجنائية الدولية» بعد إصدارها مذكرة باعتقال الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين».
وقام وزير العدل الأمريكى «ميريك جارلاند» بعدها بأول زيارة من نوعها على الإطلاق لمقر المحكمة فى «لاهاى»، التقى خلالها «كريم خان»، وأعلن أنه يدعم تحقيقه المتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، ومذكرة الاعتقال التى أصدرتها المحكمة ضد الرئيس الروسى.
وبلغت معارضة «الجنائية الدولية» ذروتها خلال إدارة الرئيس السابق «دونالد ترامب»، التى فرضت عقوبات على أعضاء المحكمة، وحظرت الحسابات المصرفية للمدعية العامة السابقة، على خلفية التحقيقات حول جرائم الحرب التى ارتكبتها القوات الأمريكية فى أفغانستان.
ومع مجىء الرئيس «بايدن» تم إلغاء هذه العقوبات، والدفع فى اتجاه محاسبة موسكو على حربها فى أوكرانيا.
فى مقابلته مع شبكة «سى إن إن» الأمريكية قال «كريم خان»: «لن نتأثر بالأنواع المختلفة من التهديدات، بعضها عام والبعض الآخر، لأنه فى النهاية سنفى بمسئولياتنا كمدعين عامين، وكرجال ونساء فى المكتب، وكقضاة، وللتأكيد على الشىء الأكبر فى أنفسنا، وهو الإخلاص للعدالة».
جريمة أمريكا فى حق المحكمة الدولية لا تتوقف عند التأثير على سير العدالة -سواء بالترهيب أو الترغيب- لكنها أيضاً ترتكب جريمة التدليس، وهذا ما ألمح إليه «خان» فى حواره بطريقة غير مباشرة، عندما أكد أن إسرائيل لا تطبق بقوة أو إخلاص فى الأراضى المحتلة أو فى غزة.. وللحديث بقية.