كثيرة هى الخرائط التى تصف بين تقلباتها التاريخية الدولة المصرية «بالإقليم المستقل»، وكيف تميز هذا الإقليم عن الأقاليم الأربعة لعالمنا العربى ابتداء بالإقليم المغاربى من ليبيا إلى موريتانيا ثم الشامى من فلسطين حتى سوريا والخليجى الممتد بطول الجزيرة العربية وانتهاء بالإقليم الأفريقى الضارب بجذورة حتى منابع النيل.
المتأمل فى شخصية أوطاننا العربية سيجد أن لكل إقليم من هؤلاء لهجة ومطبخ وعادات مختلفة عن «شخصية مصر» التى تغزل فى جغرافيتها العالم الجليل د. جمال حمدان، وكيف استطاعت بلادنا على مدار التاريخ إبعاد الأخطار واحتواء المشاكل مع كافة الشخصيات المجاورة لها، سواء فى جنوبها الممتد حتى منابع النيل أو فى شمالها بإقليم الشام.
يقول «حمدان»: إن من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء.. ومن يسيطر على سيناء يتحكم فى خط دفاع مصر ويهدد الوادى.
حديث حمدان عن الجغرافيا لا يبتعد عن التاريخ، انظر لتأثير منف أو طيبة أو القاهرة على بلاد كنعان أو الشام أو فلسطين.. تأثير امتد منذ نشأة كل شخصية على خرائط العالم القديم. فى عهد المصريين القدماء.
لم يكن الملك الجديد يشعر بالأمان إلا إذا اتجهت جيوشه فور توليه الحكم للشمال بهدف درء أى أخطار تهدد بلاده.. ثم يخلد هذا الأمر بوضع جدارية تحمل اسمه.
ونقرأ هنا عن بطولات الملك أحمس الذى درأ أخطار الهكسوس عن بلاده ومن بعده تحتمس الثالث فى معركة مجدو التى ضم خلالها هذا الإقليم لإمبراطوريته، أو حتى فى الحملات الصلييية التى أدركت أن الطريق إلى القدس يبدأ من القاهرة.. وصولاً لمعركة عين جالوت التى نجحت فى اقتلاع ضروس المغول من بلاد الشام..
فلسفة درء المخاطر تجلت فى القرن العشرين.. حين شارك المصريون فى حرب فلسطين عام ١٩٤٨.. ولم تبعد هذه الهزيمة أنظار دولة يوليو عنها ودفعت ثمناً عزيزاً من أرضها وجنودها بسبب هذا الدعم، سواء فى العدوان الثلاثى ١٩٥٦ أو فى نكسة ١٩٦٧.
سياسياً استمر دعم جمال عبدالناصر الذى ساهم فى وضع اللبنات الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية مع صديقه ياسر عرفات.. وما تبعها من مفاوضات فى كامب ديفيد أو أوسلو.
ومن بعد مؤتمر مدريد عام ١٩٩١ حلت مصر فى دور الوسيط بمباحثات السلام بين الطرفين فى شرم الشيخ، حتى اندلعت (انتفاضة الأقصى) فبدأت الوساطة تأخذ منحنيات أخرى سواء فى الدعوة لوقف إطلاق النار عند اشتعال الموقف.. أو المطالبة بهدنة عندما تطول أيام الحرب.
وفى ذات السياق يظل كل ما كُتب عن دوائر الأمن القومى المصرى فى جانب.. وما كتبه الراحل جمال حمدان عن ارتباط الأمن القومى العربى بالقضية الوجودية لفلسطين فى جانب آخر.
ويظل ما حدث فى تعاطى بلاد كيمت أو إمارة مصر مروراً بالمملكة المصرية ووصولاً لجمهورية مصر العربية لدرء أخطار بلاد كنعان أو إقليم الشام أو الشعب الفلسطينى خير مثال على أن التاريخ دائماً ما يعيد نفسه.. وأن الجغرافيا ستظل دائماً القاسم المشترك فى كافة دروس التاريخ.