"جريدي".. 24 دقيقة تحارب العقبات بالحلم في أول فيلم ناطق بالنوبية
"جدف يا حلم صغير تجاه أحلامك".. يطل ببشرته السمراء اللامعة يتطلع إلي النيل يحمل مركبه الصغيرة، "جدف وماتخافش" خطوات قصيرة تبعده عن حلمه ينتفض حين يلمس قدماه الماء، "حلمك واقف ورا بابك.. افتح له ما تخافش الحكمة مش في الوصول الحكمة إنك تقع ومتخافش" عينان يملؤهما الخوف تتطلعان إلى حلمه الرابض في منتصف النهر العتيق يتملكه الخوف يهرب بعيدًا بقدميه ولكن مخيلته متمسكة بالحلم، "ده حلمك أصله جريدي يسبح ما يغرقش".. تلمس يداه الماء في حركة سريعة يصل إلى حلمه يقف وينتصر وسط أنظار الجميع يفرد جناحيه عاليًا "افرد شراع قلبك للهوا العالي".
"جريدي" 24 دقيقة غارقة في تفاصيل النوبة، قادها المخرج محمد هشام في تجربة إخراجية فريدة من نوعها لفيلم روائي قصير، يكون خلالها أول فيلم ناطق باللغة النوبية والذي يراه المخرج أنها تجربة تأخرت كثيرًا بالرغم من صعوبة التجربة: "من غير المنطقي تقديم فيلم يدور في منطقة النوبة دون الاستعانة بتلك اللهجة الغنية بتراث قصصي وغنائي غزير، فنحن مقصرين في حقها لأنها تعد لغة المصريين الأوائل".
يتناول الفيلم في مجمله فكرة "الحلم" داخل الإنسان والعقبات الخارجية التي تواجه فبدون التغلب عليها يظل الحلم مجرد وهم داخلي لدى الإنسان، وهو ما جسده داخل الفيلم من خلال شخصية "كوناف" الطفل النوبي الذي يطارده حلمه في الوصول لصخرة في نصف النيل ولكن مخاوفه الداخلية من الماء وعدم قدرته على السباحة عقبة في طريقه نحو حلمه، ليحاول عم "إبراز" الرجل النوبي المسن الذي يعمل في تصليح المراكب الذي يمتلك حلما هو الآخر في إيقاظ غريزة الحلم لدى الطفل الصغير.
يرى محمد هشام أن الفكرة هي نفحة من نفحات الكون للشخص الغارق في التفكير، تحققت بفضل فريق عمل قوي عمل علي دعم الفيلم وتذليل الصعاب منذ اليوم الأول بداية من مديرة المشروع جهاد مناصرية، والسيناريست جمال صلاح، والمصورين أشرف المحروقي وساموريرا، إضافة إلى شركات الإنتاج التي ساهمت في تمويل الفيلم.
وبالرغم أن أسرة عمل الفيلم واجهت عددا كبيرا من الصعوبات حتى يظهر الفيلم بالشكل النهائي، كان أهمها اختيار الممثلين وتدريبهم على الوقوف أمام الكاميرا، والثانية كانت التصوير داخل أماكن بكر لم تدخلها معدات التصوير من قبل والتصوير داخل النيل نفسه، لكن تظل العقبة الأبرز هي الإجراءات الروتينية التي يتطلبها الأمر لتصوير الفيلم، ما بين تصريحات ومبالغ طائلة دون أي مقابل على مدار 12 يوم مدة التصوير، وعام ونصف استغرقتها العمل ككل بين اختيار الطاقم الأساسي وأماكن التصوير، ومن المقرر عرض الفيلم خلال عدد من المهرجانات السينمائية الدولية بعد طرحه في القاهرة خلال الفترة المقبلة بعد الانتهاء من المراحل الأخيرة للفيلم.
ويرى محمد هشام أن اختيار المطربة التونسية غالية بن علي لتقديم أغنية الفيلم بلهجة نوبية، اختيار موفق لأن الفن مهما اختلف قادرعلى استيعاب الثقافات المختلفة بشكل فعال من خلال عمل يلقي الضوء علي الإنسان في مجمله: "غالية فنانة جادة ومخلصة وتسعي للتجارب الجديدة خاصة عندما يحركها شغفها بالفنون بعد أن عادت من بلجيكا مؤخرًا لتقديم الأغنية".