حالة الاستقطاب الفكرى والسياسى بين الحكم والمعارضة تنتج خطاباً إعلامياً وسياسياً منقسماً على نفسه، وغير عقلانى، يفتقر أحياناً لدقة المعلومات، ويستغرق نفسه فى ممارسة الصراع والحض على رفض وكراهية الآخر، دون أن يتجاوز اللحظة الراهنة وينظر لمستقبل الصراع السياسى ونتائجه على مستقبل الوطن وأمنه ووحدته، ينتج هذا الخطاب الأزمة ويعمقها ويعيد إنتاجها، من دون أن يبحث عن حلول، فكل الحلول من وجهة نظر هذا الخطاب المنقسم بيد الآخر، الرئيس والإخوان فى حالة خطاب المعارضة، والتى اتهمهم بعدم الكفاءة، أما فى حالة خطاب الإخوان، فإن الحل بيد المعارضة التى قام أصلاً بشيطنتها واتهامها بالعمالة للخارج!!
أغلب الخطاب الإعلامى ينتقد الإخوان وممثلهم فى الحكم الرئيس مرسى، طبعاً ليس كراهية فيهم أو حقداً عليهم، وإنما نتيجة فشلهم فى إدارة البلاد وإصرارهم دون مبررات مقنعة على الانفراد والهيمنة، رغم أن كل تجارب التحول الديمقراطى بعد حقب الاستبداد تؤكد ضرورة تعاون وائتلاف كل القوى الوطنية حتى يمكن إنقاذ الوطن وحل مشاكل ما بعد الاستبداد والفساد، ويهاجم خطاب المعارضة أفكار وسياسات الإخوان والرئيس والحكومة ويحملهم مسئولية الأزمة الاجتماعية والفوضى الأمنية والكارثة الاقتصادية، مع أن النظام السابق يتحمل قدراً من المسئولية، فى المقابل ينتج الإخوان والمتأخونون -وهم بالمناسبة كثيرون- خطاباً دفاعياً منفصلاً عن الواقع، حيث يتحدث عن إنجازات وهمية للرئيس وحكومته، ويدافع عن كل السياسات المعمول بها وينفى مقولة انهيار الاقتصاد المصرى. ويهاجم خطاب الإخوان المعارضة ويتهمها بالعلمانية الكافرة التى تعادى المشروع الإسلامى والحقد على نجاح الإخوان وقوة تنظيمهم، إضافة إلى العمالة للخارج والسعى لتخريب الوطن!!
الصراع الخطابى والاتهامات المتبادلة تعتمد على زرع الكراهية والعداء والدعوة لنفى الآخر، مما يؤدى إلى أمرين، الأول: التشكيك فى وطنية ومصداقية النخبة السياسية فى الحكم والمعارضة أمام المواطنين، الذى يتهم الكثير منهم السياسيين والإخوان بالجرى وراء الكراسى، الثانى: الوقوع فى دوائر العنف والاقتتال الأهلى والفتنة الطائفية، وهى مخاطر لاحت بوادرها فى العديد من المظاهرات والاعتصامات وأحداث الفتنة الطائفية وآخرها ما جرى فى «الخصوص» وانتقل إلى المقر البابوى فى سابقة تاريخية تنذر بالخطر، لذلك لا بد من التفكير فى مرحلة ما بعد خطاب نقد الإخوان ونقد المعارضة، وكيف أن التسليم بفكرة المباريات الصفرية ونفى الآخر التى يروج لها خطاب الاستقطاب ستقود إلى تدمير الوطن ودفعه إلى الوقوع فى براثن سيناريوهات الحرب الأهلية فى لبنان والجزائر والعراق وسوريا، من هنا أقترح أن يقوم كل من الحكم والمعارضة بمراجعة خطابه بشكل نقدى يركز على الأخطاء التى ارتكبها كل طرف، والأهم التفكير فى المستقبل، وأعتقد صعوبة تلك المراجعة الذاتية، لأن حالة الصراع والاستقطاب تقضى على العقلانية والرشادة السياسية لكن الطرفين لن يعدما وجود بعض الشخصيات العاقلة والقادرة على الحوار مع الآخر ورؤية مخاطر المستقبل.
وأقترح أيضاً أن يبادر بعض الرموز الوطنية المستقلة التى لا تمارس السياسة ولم يسبق لها التورط فى معارك الاستقطاب، بطرح مبادرة للحوار بين عدد قليل من ممثلى الحكم والمعارضة والسلفيين للتوصل إلى وثيقة سياسية أو ميثاق سياسى يؤكد الوحدة الوطنية، وينظم ويعقلن عملية الصراع السياسى، ويؤكد سلميته والتزامه الكامل بالمساواة بين المواطنين وحقهم فى المشاركة السياسية والاجتماعية بدون تمييز دينى أو نوعى أو جهوى، إضافة إلى الاحتكام إلى الصندوق الانتخابى لحسم الخلافات السياسية مع ضمان نزاهة العملية الانتخابية، وأؤكد أن هذا الاقتراح لا يعنى التوافق أو نفى الخلافات بين الحكم والمعارضة، وإنما يهدف إلى خلق حالة حوار حول ثوابت وطنية وترشيد أساليب إدارة الصراع السياسى بما لا يؤدى لزرع التعصب وثقافة كراهية الآخر، ولا يهدد وحدة الوطن وأمنه القومى.