بلطجة الإعلام مفهوم أو تهمة جديدة، ابتكرها النائب العام وجماعة الإخوان، وهو مفهوم مضلل ومراوغ لا يميز بين إعلام صالح، وإعلام فاسد وغير مهنى، لأنه وضع الإعلام كله فى سلة واحدة، والغريب أن هناك تهديداً بقرب إصدار قانون يمنع بلطجة الإعلام!! مثل هذا التهديد يمثل اعتداءً صريحاً على حرية الإعلام والإعلاميين، بل يمثل نوعاً من الإرهاب باسم السلطة والقانون.
ويبدو أن معارك الاستقطاب وكراهية الآخر بين الحكم والمعارضة قد أنتجت مفاهيم واستخدامات ودلالات جديدة لمفردات لغوية، ربما أشهرها: «الفلول، والاستقرار، والثوار، الناشط السياسى، والنهضة، والأسلمة، والأخونة، والتمكين، والبلطجة»، والكلمة الأخيرة خرجت عن سياقها التاريخى واستخداماتها الأصلية إلى فضاءات جديدة سياسية أكثر منها اجتماعية أو طبقية، فالمعارضة بلطجة، والتظاهر السلمى أحياناً بلطجة، ولم تعد البلطجة مرتبطة باستخدام العنف المادى أو التهديد به، بل صار الكلام النقدى أو المعارض بلطجة، من هنا وصف النائب العام المحترم ورجال الحكم الجديد خطاب المعارضة، الذى تنقله بعض وليس كل وسائل الإعلام، بأنها بلطجة إعلامية، بينما لم تصف المعارضة وسائل الإعلام التى تؤيد الرئيس وجماعته، وتتهم المعارضة بالعمالة والكفر والبلطجة.
وشخصياً لا يمكننى وصف أى خطاب إعلامى بالبلطجة مهما كانت مخالفاته المهنية والأخلاقية، لأنه يظل فى دائرة الكلام والمعانى، ولا يمتد إلى مجال الفعل، حتى إذا تضمن تحريضاً على البلطجة، بمعنى استخدام العنف المادى لإرهاب الآخرين أو سرقتهم، وهناك فروق كثيرة مثلاً بين الدعوة لممارسة العنف عبر وسائل الإعلام وممارسة العنف فعلياً، ولا أظن أن هناك وسيلة إعلامية دعت بشكل مباشر لاستخدام العنف فيما عدا حالات الدفاع عن الوطن أو مقاومة المحتل، وهو هنا عنف مشروع، وحتى بافتراض أن هناك وسيلة إعلامية تدعو للعنف، فإنه لا يوجد دليل علمى واحد على أن الجمهور سيستمع إلى هذه الدعوة وينفذها.
البشر فى كل زمان ومكان لا يتأثرون أو يخضعون بالمطلق لما يقدمه الإعلام، بل يفكرون ويقبلون أو يرفضون ما يقدمه، وفق عدد كبير من المتغيرات التى يدرسها الباحثون فى الإعلام، وقد أثبتت البحوث فى العالم شرقه وغربه أن الإعلام لا يخلق وقائع أو يصنع حقائق على الأرض، وإنما ينقلها بما تحتويه من وجوه إيجابية وسلبية، لكن النخب السياسية فى مصر، قبل الثورة وبعدها، لا تؤمن بنتائج هذه البحوث، وتدّعى أن الإعلام مسئول عن كل شىء وأى شىء، فهو الذى يصنع الأزمات والكوارث، ويحرك الأحداث، ويثير سخط الناس على الحكم، ويسىء إلى منجزات الرئيس، أى رئيس.
باختصار، السلطة العاجزة سواء حظيت بدعم الإعلام أو معارضته تعلق أسباب فشلها وكراهية الناس لها على شماعة الإعلام، وأعتقد أن تضخيم دور الإعلام وتحميله مسئولية فشل الأداء الحكومى هى ظاهرة عالمية تفضح علاقة الشك والصراع المتبادل بين الإعلام والسلطة، لكن الظاهرة متضخمة فى عالمنا العربى، وبلغت حدود الهوس وربما المرض النفسى عند الرئيس وجماعته، والذى تجسد فى مسلسل طويل من التهديد والوعيد للإعلام والإعلاميين، تخللته ملاحقات قضائية.
ولا شك أن هناك تجاوزات وأخطاء يقع فيها الإعلام المصرى، وتراجعاً ملحوظاً فى مستويات الأداء المهنى، وزيادة فى هيمنة رجال الأعمال والإعلان على الإعلام، لكن هذه المشكلات والتجاوزات قابلة للحل من خلال إصدار تشريعات ومواثيق شرف إعلامى يضعها الإعلاميون أنفسهم وليس مجلس الشورى الإخوانى، المشكوك فى شرعيته، القصد لا بد من اتخاذ موقف مركب من ملف الإعلام والإعلاميين، موقف يدافع عن حرية الإعلام، ويرفض تحميله المسئولية عن أزمة الحكم والمعارضة، فالإعلام ناقل، وفى نفس الوقت يطالب بإصلاح الإعلام من داخله، واعتماداً على الإعلاميين أنفسهم، من خلال تشكيل نقابات مستقلة تدافع عن مصالحهم، وتضع مشروعات قوانين وقواعد مهنية ومواثيق شرف إعلامى، والأهم تختار أعضاء ما يسمى بالمجلس الوطنى للإعلام.