فقدت مصر وفقد الأزهر واحداً من رموزه وأعلامه الكبار، شيخ مشايخ الأزهر وأكبر علمائه سناً، الأستاذ الأديب الكاتب الشاعر الشيخ معوض عِوَض إبراهيم الذى لقى ربه مساء الأربعاء الماضى ٢٠ يونيو ٢٠١٨م عن عمر يناهز ١٠٦ أعوام، حيث إنه من مواليد ١٩١٢ بقرية الترعة الجديدة مركز شربين بالدقهلية.
رحل الفقيد وما إن جاء مَنعاهُ حتى توشح الأزهر الشريف بالحزن عن حسرة كاوية، وفجيعة كارثة، لرحيل أستاذ الأساتذة، وصاحب المحامد، ولذا فإنه حقيق بأهل العلم أن يرمضهم وفاة عالم فى مقال الشيخ معوض إبراهيم.
إذا نحن أثنينا عليك بصالح فأنت كما نثنى وفوق الذى نثنى
إن العزاء ليس لأسرته فقط بل العزاء لكل الصفات النبيلة والأخلاق الراقية التى تمثلت فى الفقيد، إذ كان لطيف المعشر، حلو الحديث، راوياً للطرائف والنوادر، محباً لكل من يجلس معه، ويحبه كل من يجلس معه، وقد زرته فى منزله بالمطرية مراراً وقرأت عليه بعضاً من كتبه ومقالاته. ومن مكارمه أنه لا ينسى السؤال عن أحبابه وأصدقائه، وكل من أسدى إليه خدمة، بل إنه كلفنى بشكر جريدة الوطن لأن محررها وائل فايز أجرى معه حواراً، ومع أن الصحف التى أجرت حوارات معه وكتبت عنه بالمئات، لكنه تعود دائماً على الشكر والتقدير للجميع، وإن كان فى الحقيقة هو الذى أسدى الخدمات لتلامذته ولأمته ولطلبة العلم وللصحف التى كتب فيها أو كتبت عنه.
وقد التقى الفقيد فى مسيرة حياته عدداً لا يحصى من العلماء المبرزين، فعرف وصحب الأئمة الأعلام أمثال الزنلكونى والمراغى وَعَبَد الحليم محمود وأبوشهبة والخضر حسين، ومخلوف والشناوى، وكان شديد الاحترام والتقدير للعلماء الذين عرفهم على مدار تاريخه، فيذكر فضلهم ويثنى عليهم، ويحب من تلميذه ومساعده الشيخ محمد عبداللطيف الأزهرى أن يقرأ عليه بعض كتبهم، أيضاً فإنه رأى الخديو عباس حلمى والسلطان حسين كامل والملك فؤاد والملك فاروق، وقابل الملك حسين وكان شديد الحفاوة به، إنها حالة فريدة فى الكتابة والعمل والوعظ والهمة والتاريخ، ذلك التاريخ الطويل الممتد الذى يُعد الشيخ شاهداً عليه، قرن من الزمان فى العطاء والبذل، ألَّف وكتب ودرَّس وعلَّم وخطب وحاضر وسافر.
ولقد أعجب العقاد به، وتنبَّه لموهبته الأدبية، فنشر له قصيدة فى مجلة «السياسة» بعنوان: «استعذاب العذاب»، وللشيخ ديوان شعرى غير مطبوع، له فيه قصائد عن مصر والأزهر والقدس، كما امتدح فى شعره عدداً من أعلام الأزهر كالشيخ عبدالحليم محمود، والشيخ جاد الحق والشيخ الزنكلونى، والشيخ الشعراوى والشيخ على جمعة والشيخ أسامة الأزهرى، وفى المقابل فإن الشاعر عبدالرحمن نجا، مدحه فى ديوانه: «فى رحاب الله والوطن» المطبوع ١٩٧٠م بقوله: إلى معوض إبراهيم أهديها/ قصائد فى رحاب الله أنشيها/ يا من نشرت لدين الله رايته/ من بعد ما كادت الأحداث تطويها/.
وللشيخ الجليل موقف واضح فى رفض التيارات الفكرية المنحرفة، وقد كتب موقفه هذا بتوقيعه فى وثيقة أودعتها كتابى: «موقف الأزهر وعلمائه الأجلاء من جماعة الإخوان».
وإن عالمنا الجليل جدير بالاحتفاء به بعد وفاته، والخدمة الحقيقية له إنما تكون بعد وفاته، بأن تبذل أسرته مع الأزهر الشريف جهوداً لإخراج ديوانه، وإعادة طبع بعض مؤلفاته، والعمل الجاد لإخراج مذكراته، لأن حياته ومؤلفاته تمثل صفحة ناصعة للأزهر وللعلم والخصال الحميدة والعطاء المتواصل.. ألا رحمة الله عليك أستاذنا الشيخ معوض إبراهيم.