رغم ما يبدو على السطح من ارتباط المظاهرات فى الجامعات الأمريكية بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ورفض الطلاب للعدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة، والمطالبة بوقف الدعم الأمريكى اللامحدود لإسرائيل بالمال والسلاح، إلا أن الأحداث فجرت العديد من الأسئلة المرتبطة بالداخل، بعد القبض على مئات الطلاب، والأساتذة، بمعرفة الحرس الوطنى التابع للشرطة الأمريكية، وبث مشاهد ضرب وسحل المقبوض عليهم بمنتهى العنف.
ووصفت وسائل الإعلام الأمريكية ما يحدث بـ«الربيع الأمريكى» قياساً بـ«الربيع العربى» الذى شهدناه بدايات العقد الثانى فى القرن الحالى، بعد التساؤلات عن القيم الأمريكية المتعلقة بالديمقراطية وحرية الرأى والتعبير.
الأسئلة أرّقت الإدارة الأمريكية التى لم تستطع الدفاع عن مسلكها العنيف فى مواجهة التظاهرات، إلا بالتأكيد على أهمية ضمان أمن إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة.
وشعرت إسرائيل أيضاً بالقلق والذعر، بعد هذا الحراك الطلابى غير المسبوق، منذ المظاهرات ضد الحرب فى فيتنام، والاحتجاجات المناهضة للفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا، وتكرار كلمات «فلسطين» و«الفلسطينيين» فى الإعلام الأمريكى، وامتداد الاحتجاجات إلى فئات أخرى خارج الجامعات واكتسابها صفة «الجماهيرية».
فككت مظاهرات الطلاب الأمريكيين مجموعة من السرديات الأساسية التى روجتها إسرائيل منذ قيامها على مدى أكثر من (75) عاماً، ومن أبرز هذه السرديات، أن كل من ينتقد إسرائيل، أو يعلن رفضه لما ترتكبه من جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقى، فهو مُعادٍ للسامية، ومن يفعل ذلك فى أمريكا تحديداً، يتعرض للاضطهاد والملاحقة إلى حد الفصل من العمل أو الجامعة.
ومن تل أبيب طالب «بنيامين نتنياهو» رئيس الوزراء الإسرائيلى حلفاءه فى الولايات المتحدة الأمريكية، ببذل المزيد للتصدى للاحتجاجات الطلابية التى انتشرت فى الجامعات الأمريكية، وقال إن ما يحدث «أمر مروع»، واتهم من وصفهم بـ«المعادين للسامية» بالسيطرة على الجامعات البارزة.
ووصف «نتنياهو» ردود فعل عدد من رؤساء الجامعات بـ«المُخزى»، بسبب عجزهم عن التصدى للطلاب، وإدانة أفعالهم.
فى المقابل، شن السيناتور الأمريكى «بيرنى ساندرز»، هجوماً مضاداً على «نتنياهو»، وطالبه بعدم الخلط بين «معاداة السامية»، و«إدانة القتل» فى غزة.
وقال «ساندرز» مخاطباً «نتنياهو»: القول إن حكومتك قتلت 34 ألفاً فى 6 أشهر، ليس معاداة للسامية ولا مناصرة لحركة حماس.
ولا تتوقف أهمية مظاهرات الطلاب فى الجامعات الأمريكية على مجرد التضامن مع أهالى غزة فقط، أو المطالبة بوقف العدوان الإسرائيلى، وإنما باعتبارهم «قادة التغيير» و«أمل المستقبل وصُناعه» و«النبض الحى لأمريكا»، كما يصفهم العديد من الرؤساء الأمريكيين، وغيرهم من رجال السياسة، والكتاب والمفكرين، فى خطاباتهم وكتبهم ومحاضراتهم.
وتكمن أهمية شريحة طلاب الجامعات فى دورهم المستقبلى، وأثرهم فيما يصفونه بـ«دورة الحياة الأمريكية على كافة الأصعدة».. وللحديث بقية.