هانى حنا: هناك دول تبحث عن هويتها بالحروب لأنها لا تملك تاريخاً كالمصريين
هانى حنا
«إلى هانى.. ابنى الوحيد.. الذى آثر الحياة فى مصر لإدراكه الكنوز داخلها وما تتسم به من علاقات إنسانية ودفء اجتماعى يعطى الأمان، وفضّل ذلك على مستوى المعيشة المرتفع والتقدم التكنولوجى المبهر، والحريات فى الاختلاط الموجود فى أوروبا وأمريكا، وفضّل عليها مصر بأعمدتها السبعة».. تصدّر هذا الإهداء الطبعة السابعة لكتاب «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية» للكاتب الراحل «ميلاد حنا»، الذى أُطلق اسمه مؤخراً كعنوان لمنتدى شباب العالم، الذى تبدأ فعالياته 2 نوفمبر المقبل تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى.
نجل المفكر الراحل: أفضل تكريم لروح والدى إطلاق اسم كتابه الأهم على الدورة الثانية لمنتدى شباب العالم فى شرم الشيخ
وقال «هانى»، الابن الأكبر للمفكر ميلاد حنا، الذى سيشارك فى المنتدى، وسيلقى كلمة فى إحدى الورش الرئيسية، إن أسرته أبدت سعادتها البالغة بعد اختيار اسم «الأعمدة السبعة» عنواناً للمنتدى، كما تحدّث، فى حواره لـ«الوطن»، عن ذكريات «الأب» مع رؤساء مصر، «عبدالناصر والسادات ومبارك»، وموقفه الرافض لثورة 25 يناير، ورأيه بأن أمريكا «أحد المحركين لها». وإلى نص الحوار:
كيف استقبلت تسمية هذه الدورة من «منتدى شباب العالم» باسم عنوان كتاب لوالدك؟
- علمت بذلك عن طريق أصدقاء شاهدوا عنوان المؤتمر فى التليفزيون واتصلوا بى، وللحقيقة لم أتفهّم بشكل واضح أبعاد الموضوع وقتها، وفى اليوم الثانى اشتريت الصحف ووجدت الخبر «إطلاق اسم ميلاد حنا وكتابه كعنوان رئيسى للمنتدى».
مؤتمرات الشباب تسمح لنا بمشاهدة حالة ديمقراطية بين رئيس الدولة وأولاد بلده.. والشباب يعانى أزمة هوية
وهذا الأمر أسعد الأسرة للغاية، و«نوّر لنا البيت»، ففى حياته كان دائماً البيت مشغولاً بالضيوف والحفلات والندوات ويزوره المثقفون والإعلاميون والضيوف الأجانب، فشعرنا بعودته للحياة، ونستعيد حالياً ذكرياته معنا، كما أن سيرة ميلاد حنا لا تزال تعيش مع الناس، ونعتبر إطلاق اسمه كعنوان للمنتدى بمثابة أفضل تكريم لأسرته ومحبيه، ويشاركنى فى ميلاد حنا أبناء كثيرون تأثروا بكتاباته، وكان معلمهم فى الجامعة، ويسعدهم تكريمه، لأن حياته كانت مملوءة بالصراعات. وأوجه الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى لموافقته على إطلاق اسم والدى كعنوان للمنتدى.
ما الرسالة التى يريد أن يوجهها منظمو المنتدى باختيار اسم «الأعمدة السبعة» كعنوان له؟
- الرئيس تمكّن من صنع حالة ديمقراطية داخل مؤتمرات الشباب بصراحة ومباشرة كنا نفتقدهما، وكلنا نرى ذلك فى التليفزيون بين رئيس الدولة والشباب، وعندما علمت أننى سأكون على مقربة من الحوارات والجلسات والمناقشات فى منتدى شباب العالم شعرت بالسعادة.
الدولة الهرمية أنقذتنا فى «30 يونيو» لكنها تُعيق التنمية.. و«السيسى» يتمنى أن يعوض مصر 50 سنة لم تشهد خلالها أى تنمية
واختيار اسم «الأعمدة السبعة» رسالة ذكية، فنحن نضع الهوية المصرية كرسالة للداخل والخارج، وهناك دول تبحث عن الهوية عن طريق الحروب والسلاح لأنها لا تملك تاريخاً أو مخزوناً ثقافياً، لكننا كمصريين لدينا هوية و7 خصائص ممثلة فى الأعمدة السبعة، ولنا جذور ووعى، فالمصريون خرجوا ضد الإخوان فى 30 يونيو لشعورهم بالخطر على الدولة المصرية، وهذا وعى لا يتأتى لشعوب كثيرة، فإسقاط هذه الدولة الدينية البعيدة كل البعد عن مصر كان ضرورة تاريخية، وشبابنا حالياً عنده أزمة هوية تتمثل فى «من نحن؟» و«إلى أين المصير؟»، وهذه الأزمة مرت بى، لذا قررت عمل دراسات عليا فى مجال الآثار وشاركت فى ترميمها كهواية.
كيف تقيّم أوضاع مصر حالياً بعد 30 يونيو؟
- للحقيقة نحن أمام رئيس وطنى مخلص يواجه تحديات رهيبة، ورئيس بفريق عمل بلا دولة، وللأسف الدولة معيقة له، وأنا أسميها «الدولة الهرمية التى أنقذت مصر فى 30 يونيو»، لكنها مُعيقة للتنمية، والرئيس «السيسى» يتمنى أن يعوض 50 سنة لم يحدث فيها تنمية فى فترة قصيرة جداً، وفى ظل ظروف وتحديات خارجية وداخلية صعبة، وبالمناسبة الرئيس السيسى هو رئيس مؤسس وابن مؤسسة وطنية ودارس كويس جداً كل شىء فى الدولة ويمتلك فريق عمل و«اللى بينشط معاه بيستمر واللى بيقع منه مابيستناهوش».
«عبدالناصر» رفض القبض على والدى فى مظاهرات النكسة.. وقابله وسمع رؤيته فى ملف الإسكان ومشاكل الطائفية
ميلاد حنا كان نائباً للشعب مع كونه مفكراً، وربما لم يتعرف هذا الجيل على وجهه السياسى بشكل كافٍ.. حدثنا عنه.
- والدى شارك فى تأسيس حزب التجمع، وكان يعرف عضو مجلس قيادة الثورة خالد محيى الدين عندما كان رئيس مجلس إدارة الجمهورية فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، ودخل مجلس الشعب عام 1984 بالتعيين، وكان رئيساً للجنة الإسكان، كما شارك فى مظاهرات الجامعة عام 1967 مع الطلاب، وكان أستاذاً بالجامعة، وكانت المظاهرات تعبر عن غضب الطلاب بسبب النكسة، وتسبب تعيينه فى مجلس الشعب فى تجميد نشاطه بالحزب الذى شارك فى تأسيسه، واعتقد البعض أن ميلاد حنا فضّل البرلمان على انتمائه الحزبى مع أنه لم يترك حزب التجمع، والأهم أنه لم يخلع رداءه الاشتراكى لآخر لحظة، وعمل فى مجلس الشعب لبسطاء الناس، وأسهم فى إصدار قوانين قاومت مراكز القوى وأصحاب المصالح فى قلب مجلس الشعب، واستطاع أن يمنع النواب من توزيع شقق الإسكان الاقتصادى على أبناء الدائرة مقابل أصواتهم، وقال له بعض النواب حينها «نحن نوزع هذه الشقق حتى نحصل على أصوات، لماذا تمنعها عنا؟»، واعتبرها هو ميزة غير أخلاقية لنائب المجلس، كما كان أول من حرك ملف قانون الإيجار القديم، وصنف الإيجارات حسب تاريخ إنشائها، واستطاع أن يؤسس لفكرة اتحاد الشاغلين حتى يحافظ المواطنون على البنايات القديمة.
ماذا كان موقفه بعد وصول الإخوان للحكم؟
- كان فى أيامه الأخيرة ولم يفقد الوعى، لكنه فقد القدرة على التعبير والاسترسال وكنت بأطيّب خاطره وأقول له مش هنسيبهم ومش هيستمروا، وكان عارف إنهم هيمشوا ولكنه مات قبل أن يرحلوا، وفى عام 2008 كان هناك حديث يدور حول وصول الإخوان للحكم، وقال حينها فى حوار صحفى «لما ييجى الإخوان للحكم ميلاد حنا سيحزم حقيبته ويرحل»، وبالفعل عندما وصلوا لحكم مصر رحل عن الدنيا لأنه لم يتحمل أن يشاهدهم يحكمون مصر.
ماذا تذكر من مواقفه مع رؤساء مصر «ناصر والسادات ومبارك»؟
- اختلف مع الرئيس السادات بسبب قضايا الوحدة الوطنية، فالسادات قال أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة، فانزعج والدى جداً، وقال له: «أنت رئيس مصر لكل المصريين»، وحذر حينها من إعطاء صبغة دينية للدولة، وقال بشكل واضح إن ما قاله الرئيس «شىء مؤسف»، وللأسف نجنى ثمار هذه الجملة وتبعاتها حتى اليوم، وتسبب ذلك فى اعتقال والدى فى سبتمبر 1981، وكان هناك جرح عميق بداخله لأنه اتُهم وتم التحقيق معه بتهمة إشعال «الفتنة الطائفية»، أما معرفته بمبارك فكانت عام 1981 بطريقة طريفة جداً، ذهبنا لزيارته فى السجن، ولم يخرج، وقالوا لنا فى إدارة السجن إن الوالد فى مأمورية، واعتقدنا أن النيابة تحقق معه بينما اكتشفنا فى آخر اليوم أنه التقى الرئيس مبارك مع عدد من السياسيين وعادوا بأوتوبيس كبير للسجن بعد الزيارة، وخرج معنا فى نفس اليوم حراً، أما لقاؤه بالرئيس جمال عبدالناصر فكان فى ظرف تاريخى مهم، عندما شارك والدى فى مظاهرات الجامعة، وهو أستاذ جامعى لإعلان احتجاجهم على نكسة 1967، واستمرت هذه الحركة الطلابية حتى بعد وفاة «ناصر»، وكانت السلطة مُحرجة من مسألة اعتقاله بسبب موقعه فى الجامعة فى ذلك الوقت، وأيضاً لخبراته الكبيرة فى مجال الإسكان وإسهامه الثقافى، وترتب لقاء نظمه شعراوى جمعة، مدير مكتب عبدالناصر، بين والدى والرئيس، لأن عبدالناصر رفض اعتقال والدى، واستمع وقتها لآراء الشباب، وكان بينهم ميلاد حنا الذى قال رأيه فى بعض الأمور الهندسية، وكل ما يتعلق بمشاكل الفتنة الطائفية التى ظهرت بشكل طفيف حينها.