ملتقى الفكر: الشائعات أبرز وسائل أهل الباطل في صراعهم مع الحق
جابر طايع يشدد على وجوب التثبت من الأخبار والتأني قبل نشرها
ملتقى الفكر
أقام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الحلقة الثانية والعشرين لملتقى الفكر الإسلامي، وجاءت بعنوان: "خطورة الشائعات "، وحاضر فيها كل من: الدكتور سامي الشريف رئيس لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وعميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة، والشيخ جابر طايع يوسف رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، برعاية الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح، ومواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
وفي كلمته أكد الدكتور سامي الشريف أن الشائعات ليست ظاهرة جديدة، أن الصراع بين الحق والباطل صراع قديم قدمَ البشرية، وهو مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن من أبرز وسائل أهلِ الباطل في صراعهم مع أهل الحق : صناعة الشائعات، وترويجها بين الناس، موضحا أن الشائعة أنواع، إما أن تكون خبرًا مختلقًا لا أساس له وهو أضعف أنواع الشائعة وهو الكذب البواح، وإما أن تكون الشائعة إثارة لخبر فيه جانب من الصحة، أو إضافة معلومة كاذبة لخبر معظمه صحيح، أو تفسيرًا خاطئًا لخبر صادق، فالشائعة يصنعها الخبثاء، ويصدقها الأغبياء، ويستفيد منها الأذكياء فيخضعونها للدراسة والبحث.
مضيفا أنه باستقراء تاريخ الأنبياء والرسل نجد أنه قد ألصقت بهم الشائعات للصد عن دعوة الله، ومع بداية العصر الإسلامي هناك شائعات تعرض لها الرسول وكذلك صحابته الكرام كادت تعصف بمكانة المسلمين في هذا الوقت، ومنها الشائعة التي أطلقت يوم أُحد، حين أشاع المشركون مقتل النبي رغبةً منهم في تفريق المسلمين من حوله، وإضعاف قوتهم، وبث الخوف والذعر في صفوف المسلمين، فاضطربت صفوف المسلمين وضعفت قواهم النفسية، وفرَّ بعضهم، وألقى بعضهم السلاح، وثبُت بعضهم مع النبي.
كما أشار إلى أن الشائعات في عصرنا أخذت ثوبًا آخر مع تطور وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال وزيادة هذه الوسائل، كوسائل التواصل الاجتماعي فأصبحت صناعة الشائعات مصدرًا للتكسب المقيت يشرف عليه أناس ومنظمات وهيئات أو دول تهدف إلى تحقيق أهداف خبيثة، مؤكدًا أن الشائعات غالبا تنتشر في أوقات الأزمات، فحينما توجد الحوادث وتغيب الحقائق تظهر الشائعات ويكون المجتمع مؤهلا لقبول تلك الشائعات، أما إذا ظهرت الحقائق وقت الحدث تبددت تلك الشائعات .
وفي ختام كلمته أكد أن الشائعات إحدى أهم وسائل الحرب النفسية، ولو نظرنا إلى كم الشائعات التي أثيرت حول ما يعانيه العالم الآن من انتشار جائحة كورونا سواء في تفسير هذه الظاهرة، أو اكتشاف علاج لها، أو في الأعداد والنسب التي أصيبت بهذا الوباء لوجدنا أن هناك عددًا من الشائعات لا حصر له، يهدف بالأساس إلى التحريض ضد الدولة، وضد المسؤولين لإضعاف الدولة وتشويه مؤسساتها، ومن الصعب على من يتعرض للشائعة في هذا العصر وفي ظل اتساع وانتشار شبكة الإنترنت أن يرد على كل ما ينشر هنا وهناك، لذا يجب على المتلقي للخبر التأكد من مصدره واعتماد مصادر موثوق بها دون غيرها.
مشيرًا إلى أن هناك مشكلة بالنسبة لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك نقل ومشاركة للأخبار دون تروّ أو تثبت من صحة الخبر فقط لمجرد النقل والشير ومسابقة الغير في سرعة نشره، وهذا أمر ممقوت في الإسلام لأنه يكون سببًا في الإضرار بالآخرين دون أن يدري، ومن ثم فيجب التثبت من الأخبار قبل نشرها أو مشاركتها، موجها رسالة لمن تطلق عليهم الشائعة من المسؤولين وغيرهم من الأفراد قائلا لهم: لا تبتئسوا ولا تحزنوا فلستم أحسن حالا من أنبياء الله ورسله، فقد أصابتهم الشائعات فصبروا واحتسبوا الأمر لله تعالى، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
وفي كلمته أكد الشيخ جابر طايع أن للكلمة قيمة كبيرة، وأهمية عظيمة، ولها خطورتها وتأثيرها الكبير على الفرد والمجتمع بأسره، ويتضح أثرها من قول الله تعالى في سورة الحجرات : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وفي قراءة أخرى " فتثبتوا"، فهذا ضابط أخلاقي جاء في سورة الحجرات، حتى إنها سميت بسورة الأخلاق ؛ لما تبثّه من منظومة قيمية لصالح الإنسان والمجتمع كله، حتى يسلم المجتمع من الآفات، ومن ثم فإن الخبر الخاطئ قد يحدث أزمات بين الناس، فلا بد إذن من التحري والتدقيق والتفكير في كل ما يُنقل أو يُسمع أو يُقرأ أو يُنشر، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد سأل سيدُنا معاذ رسول الله : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ "، فليس كل ما يسمع يقال، وعلى الإنسان أن يتحرى الدقة في كل كلمة، قبل ترويجها ونقلها ومشاركتها .
كما أكد فضيلته أن الكلمة أمانة ومسئولية عظيمة، سواء أكانت مقروءة، أم مسموعة، أم مرئية، والشائعات ما هي إلا كلمة تنتشر بين الناس، يطلقها صاحبُ قلب مريض، أو هيئة أو منظمة من قوى الشر التي تعمل في الخفاء، وتتناقلها الألسنة وترددها دون تثبت، أو تبيّن، فتؤثر سلبًا على العقول والنفوس، وتنشر الأفكار الهدامة والمعتقدات الفاسدة، ويصبح المجتمع ويمسي في قلق وريبة، بل ويذهب الأمن، وتضعف الثقة بين الناس، فترى أمة الجسد الواحد يشكك بعضها في بعض، ويخوَّن بعضها بعضًا ؛ لذا قال النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)، فإذا كان التحدث بكل ما يسمعه الإنسان نوعًا من أنواع الكذب يُعاقَب عليه الإنسانُ عقوبة شديدة في الآخرة، فكيف بمَنْ يتحدث بما لم يره أو يسمعه؟ .
وأشار إلى أن الإسلام قد اتخذ موقفًا حازمًا من الشائعات ومروجيها، وعدّها سلوكًا منافيًا للأخلاق الحسنة، والقيم النبيلة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وذلك حين أمر أتباعه بحفظ اللسان عن الخوض في ما ينشر الفتنة ويثير الاضطرابات في المجتمع، وأمرهم بالصدق وعدم الكذب في أقوالهم، وحفظ ألسنتهم، والتثبت من كل ما يصل إلى أسماعهم حتى لا يكونوا سببًا في نشر الفتن، وإفساد المجتمع، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وقال جلّ شأنه :{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وقال سبحانه:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، ويقول النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ "
وفي ختام كلمته أكد على وجوب التثبت من الأخبار والتأني قبل نشرها في المجتمع، وعدم ترديد الشائعة عبر أي وسيلة من الوسائل مقروءة أو مسموعة أو مرئية ؛ حتى لا يسهم ترديدها في ترويجها ونشرها، فالشائعات تزداد انتشارًا إذا وُجِدَتْ ألسنة ترددها، وآذان تصغي إليها، ونفوس تتقبلها وتصدقها، قال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، وقال النبي: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".