سؤال وجواب.. كيف يتحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء في عصر ما بعد كورونا؟
التغيرات المناخية أحد أسباب التدهور في الأمن الغذائي
يعبر مفهوم الاكتفاء الذاتي في الغذاء في دولة ما، عن مدى مساهمة الإنتاج المحلى من الغذاء في هذه الدولة، في استهلاكها منه، ويقاس كميا بالنسبة لسلعة ما في سنة معينة بإنتاجها المحلى كنسبة مئوية من إجمالي الاستهلاك منها.
وهذا المفهوم يختلف تماماعن مفهوم الأمن الغذائي والذى يعرف طبقا لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) للأمم المتحدة أن ” الأمن الغذائي يتحقق لكل الناس، في جميع الأوقات، عندما يكونوا قادرين اجتماعيا واقتصاديا على الحصول على الغذاء الكافي والآمن والتغذية الذى يتطابق مع حاجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية.
الدكتور جمال صيام خبير الاقتصاد الزراعى والأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة والمدير السابق لمركز الدراسات الاقتصادية، يوضح كيف يمكن يتحقق الاكتفاء الذاتي في الغذاء في عصر ما بعد كورونا في النقاط التالية.
- بداية ما هي محاور الأمن الغذائي؟
يقوم الأمن الغذائي على اربع محاور، هي الإتاحة (أن يكون الغذاء متاحا في السوق)، والنفاذ والإستطاعة بمعني أن تكون كل أسرة أو فرد قادرا على شراء احتياجاته من الغذاء الأمر الذى يتقرر في ضوء الدخل وأسعار الغذاء، والتوازن التغذوى أن يكون الغذاء صحي، والاستقرار بمعني أن يتسم السوق المحلى للسلع الغذائية بالاستقرار وبعيدا عن التقلبات.
-ما هو الفرق بين الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من الغذاء؟
مفهوم الأمن الغذائي أشمل كثيرا من مفهوم الاكتفاء الذاتي، فبينما يهتم الأمن الغذائي في محوره الأول بأن تكون السلع الغذائية متاحة في السوق بصرف النظر عن مصدر هذه السلع سواء كان الإنتاج المحلى أو الاستيراد، بينما يركز الاكتفاء الذاتي على أن يكون مصدر الإتاحة هو الإنتاج المحلى بشكل أساسى.
كما أن الأمن الغذائي موضوع معقد متشعب يشتمل على أبعاد اقتصادية وتوزيعية تتصل بتوزيع الدخول والفقر، بينما الاكتفاء الذانى أكثر تحديدا ويتعلق برغبة متخذ القرار بعدم الاعتماد على الخارج في توفير الغذاء بما ينطوى عليه ذلك من مخاطر جمة سواء مصدرها الاستخدام السياسى للغذاء أو التقلبات المناخية العالمية المؤثرة على الإنتاج العالمى للغذاء أو حدوث أزمات غذاء عالمية مثل تلك التي حدثت في 2008 أو ما يحدث الآن بسبب جائحة كوفيد-19(كورونا) أو بسبب تغيرات في سياسات الدول المصدرة للغذاء.
- هل هناك علاقة بين الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي؟
بالطبع كلما ارتفع معدل الاكتفاء الذاتي (المكون المحلى في عرض السوق أكبر من المكون المستورد) من سلعة ما، كلما كانت هناك فرصة أكبر لتجنب التقلبات في السوق العالمى للسلعة وكلما كان السوق المحلى أكثر استقرارا (وهو المحور الرابع للأمن الغذائي).
-أيهما أفضل.. الاكتفاء الذاتي أم الاعتماد على الخارج؟
الاكتفاء الذاتي في الأصل مفهوم يتناقض مع الكفاءة الاقتصادية، وشأنه شأن الأمن الغذائي هما ضمن الأهداف الاجتماعية لسياسة التمية.
إذ تقرر النظرية الاقتصادية الاحتكام إلى مبدأ الميزة النسبية فيما يتعلق بتقرير أي المنتجات ينبغي أن تنتجه الدولة وايها لا تنتجه من منظور اقتصادى بحت، فإذا كانت الدولة لا تتمتع بميزة نسبية في إنتاج محصول غذائى ما فعليها ألا تنتجه ومن ثم تتجه إلى استيراده من الخارج لسد حاجة السوق المحلى.
ولكن إذا ما قرر صانع القرار أن يتجنب مخاطر الاعتماد على السوق الخارجي فعليه أن يضع الاكتفاء الذاتي كهدف يتحقق بالضرورة على حساب مبدأ الميزة النسبية والكفاءة الاقتصادية.
- ما هو المطلوب من الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي؟
على الدولة أن تتحمل تكلفة (اجتماعية) تتمثل في نقص جزء ما من الناتج المحلى الإجمالى مقابل الحصول على منفعة (اجتماعية) تتمثل في حصول الدولة على "الأمن" في مواجهة المخاطر الخارجية أو لنطلق عليه "الأمن الغذائي الخارجي".
وهذا ما يجعل دول الخليج مثلا، وهى غنية نفطيا ولكنها فقيرة من حيث موارد إنتاج الغذاء، تحاول أن تستثمر في مساحات شاسعة تستحوذ عليها في أفريقيا لإنتاج الغذاء لسد حاجة سكانها منه، رغم قدراتها المالية الهائلة التي تمكنها من استيراد الغذاء من الأسواق العالية.
والمعنى هنا، أن توافر النقد الأجنبي في الدولة ليس ضمانا قطعيا للأمن الغذائي الخارجي.
-ما هو الوضع الغذائي في مصر؟
تستورد مصر كل السلع الغذائية الأساسية، وعلى رأسها الحبوب وزيوت الطعام والسكر، فضلا عن البقوليات الجافة واللحوم الحمراء والألبان والأسماك، وتنخفض معدلات الاكتفاء الذاتي في الحبوب وزيوت الطعام والبقوليات الجافة إلى مستويات تنطوى على مخاطر كبيرة.وإجمالا يبلغ معدل الاكتفاء الذاتي في الوضع الراهن نحو 40%، ويبلغ معدل الاعتماد الغذائي 60%.
-ما هي الأسباب الرئيسية في هذا الوضع؟
هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء هذا الوضع الغذائي غير الآمنFood insecure، هي محدودية موارد إنتاج الغذاء وبالتحديد المياه والأرض، والسياسات الاقتصادية والزراعية الفاشلة، والزيادة السكانية.
هذه الأسباب نفسها عبر الزمن ستؤدى إلى مزيد من التدني في معدلات الاكتفاء الذاتي في الغذاء، السياسات الملائمة هي الحل لرفع الاكتفاء الذاتي أو على الأقل الحد من انهياره، حتى مع افتراض بقاء الموارد المائية والارضية على ماهى عليه مستقبلا، وهو أمر مشكوك فيه بالنسبة للمياه في ظل السدود الإثيوبية والتغيرات المناخية.
وستتدهور معدلات الاكتفاء الذاتي في الغذاء بسبب الزيادة السكانية من خلال أثرها المزدوج، الأول تخفيض المياه المتاحة للزراعة ومن ثم تخفيض إنتاج الغذاء، الثانى زيادة استهلاك الغذاء.
-كيف يمكن إيقاف هذا التدهور؟
المطلوب إحداث تغيير جذرى في السياسات التي جرى تبنيها على مدى العقود الستة الماضية والتي همشت القطاع الزراعى تاريخيا في الاستثمار والمؤسسات والبحوث والتطوير والخدمات، ولعل هذا هو الخيار الوحيد المتاح لصانع القرار المصري، بصدد مواجهة المخاطر المستقبلية فيما يتعلق بالغذاء، وتخليه عن هذا الخيار سيتمخض عنه أوضاع كارثية على صعيد الأمن الغذائي الخارجي بوجه خاص والأمن الغذائي بوجه عام.