أطفال شوارع دمياط: «الشمس سخنة قوى فى الشارع ونفسنا نجرّب ضلة البيوت»
لا تفرق حرارة الشمس بين أحد منهم.. يختلفون فى أشياء كثيرة لكن الشارع هو العنصر المشترك بينهم، فيه ينامون ويبكون ويضحكون أيضاً.. أطفال الشوارع فى دمياط.. اختصروا الحياة -رغماً عنهم- فى ابتسامة بريئة تخرج من أفواههم التى تبحث عن لقمة العيش كل يوم، تأتى أحياناً وتعاندهم كثيراً.. قالوا: «الشمس سخنة قوى فى الشارع ونفسنا نجرّب ضلة البيوت».. «الوطن» التقتهم واستمعت إلى مآسيهم أملاً فى أن يحنّ لهم قلب مسئول.[SecondImage]
اتخذتا من ميدان الساعة مجلساً تتحدثان لهذا وذاك وتعرضان سلعتهما «المناديل».. هناك من يشترى وهناك من يرفض.. صغيرتان تبحثان عن لقمة عيش حلال بعد أن ضاقت بهما السبل، فالأم تبيع هى الأخرى المناديل متخفية تحت النقاب حتى لا تسبب المضايقات لعائلتها التى تعتبر خروج المرأة أمراً مشيناً، فى الوقت الذى يرفضون فيه مساعدتها، بينما الأب دفعه المرض للجلوس طريح الفراش منذ أشهر، فباتت تلك العائلة التى يبلغ عدد أعضائها أحد عشر شخصاً لا تملك طريقاً آخر سوى العمل، فرغم أن الأسرة أغلبها أطفال ما زالوا يتحسسون خطواتهم عدا الأب والأم إلا أن الظروف دفعتهم ليكونوا طلقاء فى الشوارع يبحثون عن لقمة عيشهم هنا أو هناك.
«فاطمة» قالت: والدى مريض وعاجز عن العمل وأنا عايزة أأكله هو وأشقائى وأضافت: لدىّ خمس شقيقات وثلاثة أشقاء وكل واحدة فينا بتشتغل عشان تصرف على نفسها. أول يوم أعمل فيه كان من شهر وبرغم تعبى وما أواجهه من سباب وإهانة من البعض إلا أننى لا أرتكب خطأ، فما دفعنى للعمل الحاجة ليس إلا. بجسدها الضئيل وعباءتها زرقاء اللون جلست «حنان.أ.أ» 10 أعوام بجوار شقيقتها تتكئان على حائط أحد المطاعم الشهيرة بدمياط تنظران من وراء الزجاج لرواد المطعم، تختلسان النظرات هنا وهناك، تمصمص كل منهما شفتيها، تتمنى أن ترشف من كوب المياه الغازية ما ترتشفه تلك الفتاة التى تجلس على بعد أمتار منها، تتمنى «حنان» أن تشرب ما تشربه مثيلتها. بابتسامتها الخجولة تقول «حنان»: «كان نفسى أعيش سنى زى بقية البنات لكن الزمن غدار، كنت بتمنى أتعلم عشان أبقى حاجة كبيرة».. توقفت «حنان» عن الحديث لبرهة وعيناها امتلأتا بالدموع قائلة: «عمرى ماهنسى لما جارتنا رفضت تدخلنى بيتها عشان أتفرج معاهم على التليفزيون وقالت لى أنا مش بدخل كلاب بيتى. لا تختلف الحال عند أحمد محمد عزت البالغ من العمر 13 عاماً الذى جلس متكئاً على أحد الأرصفة بميدان الساعة يستريح قليلاً بعد قيامه بغسيل عدد كبير من السيارات.. قال: لست يتيم الأبوين كما يظن البعض بل لدىّ أشقائى ووالدى ولكن اعتداء والدى المستمر علىّ كان سبباً فى تركى للمنزل وعدم استكمال دراستى. رغم صغر سنه إلا أن طريق الضياع كان الأقرب إليه بعد تركه منزل والديه وبقائه بالشارع منذ ثلاث سنوات ليتحول إلى مدمن «كُلّة» رغم أنه ما زال صغيراً، فلا حساب ولا عقاب ولا عائلة تحميه من غدر الزمان وذئاب الشوارع. بوجهه القمحى ونظراته الحزينة وملابسه المتسخة قال جهاد فهمى الدالى: بعد زواج أبى من أخرى وكذلك زواج أمى لم أجد من يقف بجوارى فاضطررت للحياة فى الشارع بعدما تخلى عنى الطرفان ولم يعد لدىّ مأوى. بوجه حزين ولسان متلعثم قال «جهاد» ابن العشرة أعوام: لقد تناولت كل المواد المخدرة والكحوليات فى محاولات منى لنسيان ما عشته من مآسٍ منذ أن كنت صغيراً.