يصعب تناول مسلسل «الحشاشين» من منظور محدد كونه عملاً تاريخياً يماثل إنتاجات الدراما التليفزيونية السابقة التى استعرضت شخصيات مختلفة من التاريخ.
إذ نجح المؤلف المبدع عبدالرحيم كمال فى استدعاء المشاهد ليشاركه رحلة بحث وتعرف على مرحلة تاريخية اقتصرت معرفة تفاصيلها على عدد محدد من الباحثين والأكاديميين، رغم أهمية تفاصيل هذه المرحلة فى تشكيل أحداث مؤثرة امتدت ظلالها إلى قرون طويلة فيما بعد.
أبرز ما يميز صياغة عبدالرحيم كمال أنها لا تجيد التعالى، تعرض المعلومة والحدث بسلاسة تصل إلى أبسط مشاهد.. سرد درامى يكسر كل الحواجز التى تفصل بين شريحة مشاهدين تميل إلى متابعة قضايا أخرى فى الدراما التليفزيونية، ليستحوذ على اهتمامهم دون تكلف فى مشاركته عوالم أو مراحل تاريخيه مختلفة.
فى «القاهرة - كابول» قدم ثلاثة مسارات درامية نسجتها علاقة ثلاثة أصدقاء لتجتمع تحت عنوان الفكر الإرهابى التكفيرى.
لعل أبرع ما فى الصياغة صعوبة الوصول إلى معادلة مطابقة من الواقع للشخصيات الثلاث رغم الإسقاط الواضح الذى يقترب من أسماء حقيقية معروفة للجميع.
المرحلة الزمنية من التاريخ التى تصدى لها عبدالرحيم كمال مؤكد أنها فرضت عليه قراءات عديدة وفرزاً لما هو موثق تاريخياً عن أجواء المبالغات والروايات المختلقة التى ارتبطت تحديداً بالمذاهب الشيعية المتطرفة.
انتقل المؤلف فى سرد بانورامى لعدة دول ليس فقط بدافع تنقل الشخصية الرئيسية «حسن الصباح» بينها، لكن اكتمال الرحلة كان يفرض استعراض كل المظاهر الاجتماعية والسياسية لهذه الدول مع كل ما حفلت به من مؤامرات ودسائس.
المؤلف وهو يشارك المشاهد الكشف عن غموض طائفة أفرزت أدوات جذور التكفير والإرهاب حرص ألا يكون القالب الدرامى للعمل مقتصراً على قصة الطائفة، لكنه اعتمد على تعريف سلس للمشاهد بكل تفاصيل المناخ العام للمناطق التى دارت على أرضها الأحداث، بالتالى حقق عنصر التأليف هدفه فى إعطاء صوره شاملة متجنباً تغريب المشاهد البسيط عن دوافع وأهداف السرد الدرامى المعروض عليه.
المخرج بيتر ميمى يستمر نجاحه فى البناء على رصيد من الأعمال الدرامية التليفزيونية، التى حققت نجاحات عالية خلال الأعوام الماضية.
هنا ينجح فى تحدٍ جديد.. مساحات إبداعية أتاحت للمخرج المزيد من التألق والمهنية التى جذبت المشاهد إلى موهبة استثنائية.
بيتر ميمى بتميزه فى تقديم أعمال مبهرة بصرياً أعاد للمشاهد صفه إبداعية أصبحت نادرة فى مهنة الإخراج هى التميز، حتى أصبح المشاهد يتعرف على البصمة الخاصة للمخرج قبل أن يقرأ اسمه على التتر. كما يحسب له اجتياز فترة اكتساب الخبرة عند البدايات فى زمن قياسى ليبلغ مرحلة النضوج والتميز.
إبداع حركة كاميرا بيتر ميمى كما ظهر فى مسلسل الحشاشين أنه يبتعد عن اللقطات الكلاسيكية، تحديداً فى مشاهد الحركة والحروب والغموض.
هو يتنقل بالكاميرا بين مشاهد للشخصيات الرئيسية وهى تقدم وصفاً تفصيلياً لما تخطط له لينتقل بالكادرات بين مشهدين أحدهما حوار للشخصية، والآخر مشهد تمثيلى يصور هذا الحوار الدائر كما حدث فى نقلات الكاميرا بين مشاهد تخطيط حسن الصباح لاغتيال الخليفة العباسى وأمثلة غيرها.
أيضاً يذكر لبيتر ميمى اعتماده على أحدث التقنيات الفنية، ما أضفى على العمل مستوى إبداعياً مختلفاً وصل به إلى مكانة أضخم الإنتاجات العالمية، لكن ذكاء المخرج أنه امتلك السيطرة على هذه التقنيات لتوظيفها فى إثراء الشكل النهائى لمسلسل «الحشاشين»، دون السماح لها بالسيطرة على رؤيته كمخرج أو الاستعراض بها على حساب الصورة النهائية للعمل.
عين بيتر ميمى وهى تحرك الكاميرا فى كل لقطة من مسلسل «الحشاشين» تميزت بجاذبية شدت المشاهد للمسلسل من أولى حلقاته.
بالتأكيد مستوى جودة الصورة والإضاءة لمدير التصوير حسين عسر ومونتاج أحمد حمدى أضفت بعداً جمالياً على كل مشهد، وأبرزت إبداع الكادرات. اختيار الموسيقى التصويرية التى نفذها أمين بوحافة تضافرت جملها مع البعد التاريخى.
غناء وائل الفشنى لبيت من روائع شعر عمر الخيام تعد المشاهد لاستقبال أبرز الخطوط الدرامية للعمل، الروابط المتشابكة بين ثالوث السلطة «نظام الملك».. التنوير والعلم والإبداع «عمر الخيام».. الظلام والتطرف «حسن الصباح».يحسب للمخرج اختيار الممثلين لأدوار الشخصيات، حيث أدى كل منهم دوره بإتقان.
كريم عبدالعزيز يواصل رحلته بهدوء واختيارات دقيقة وصلت به إلى أعلى مستويات النضج والخبرة والتمكن، كما ظهر فى اعتماد كريم عبدالعزيز على أدوات أداء غير تقليدية فى إظهار معالم القبح والتطرف عند حسن الصباح، بعيداً عن المبالغة التقليدية فى تعابير الوجه.
كريم عبدالعزيز جسد الظلام والوحشية التى غلبت روح حسن الصباح.. تقمص روح الشخصية معبراً بملامح وجهه الحادة القاسية، نظرات عينيه المتحجرة الفاقدة لأى مشاعر، حركة جسد تعكس صفات التمكن والقدرة على السيطرة والإيحاء النفسى، وكلها سمات شخصية حسن الصباح.
فتحى عبدالوهاب طاقة فنية منحها دور نظام الملك مساحة للإبداع فى تجسيد السلطة بكل أجواء المؤامرات التى تحيط هذه المناصب، أداء سلس ومعبر عن معالم الدهاء والمكر.
نيكولا معوض برع فى التعبير عن روح الحرية والنأى عن كل المغريات التى قد تقيد إبداعات أشعاره، التى ما زالت حاضرة حتى العصر الحالى.. جسد روح المبدع بالإضافة إلى انخراطه التام فى علوم الفلك والجبر.
شخصية عمر الخيام فى مسلسل «الحشاشين» هى تجسيد لمعادلة التنوير وحرية المبدع والعالم أمام كل قيود السلطة وقبح الإرهاب والتطرف.