منذ أيام قليلة اختتمت شركة «نيفيديا» المتخصّصة فى إنتاج بطاقات العرض المرئى وشرائح الكمبيوتر وأنظمة ألعاب الفيديو مؤتمرها السنوى الذى يُدعى GTC، والذى أعتقد أنه كان إحدى النقاط الفارقة فى تاريخ الذكاء الاصطناعى.. وما سيحدث فى العالم بعده سيختلف اختلافاً جذرياً عما كان قبله.الشركة أعلنت من خلال مؤتمرها عن إطلاق شرائح ذكية يمكنها تسريع عمليات البحث والإجراءات التى تتم من خلالها ثلاثين ضعفاً عما هى الآن.
الرقم ليس مجازياً ولم تخطئ فى قراءته.. نعم لقد تمكنت الشركة العالمية من إنتاج شرائح إلكترونية خارقة السرعة، مقارنة بالشرائح الموجودة حالياً.. لك أن تتخيّل حجم التطور الذى يمكن أن تضيفه تلك الشرائح لهذا العالم الذى ما زال غامضاً على الجميع.عالم شديد التعقيد ذلك الذى يتناول الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته.. عالم يتطور كل لحظة ويقفز خطوات مهولة فى كل يوم عن اليوم الذى يسبقه.. حتى إن البعض يتوقع أن عام ٢٠٢٤ لن يمر قبل أن يتغيّر شكل وأسلوب التعامل مع الحاسب الآلى برمته.. وتتحول كل التطبيقات الإلكترونية إلى أجهزة ذكية يمكنها التفاعل مع المستخدمين بشكل أكثر دقة وأسرع بمراحل مما هى عليه الآن.لم أكن لأعرف شيئاً عما قدمته الشركة العالمية فى مؤتمرها ولا عن الإعلان عن اختراعاتها الجديدة، إلا لأنها أعلنت فى المؤتمر نفسه عن تعاونها مع شركة «Hippocratic AI»، المتخصّصة فى تطوير خدمات التمريض الطبى من خلال الذكاء الاصطناعى لتوفير الخدمة بتكلفة تصل إلى تسع دولارات للساعة الواحدة.. الخدمة تقدّم حتى الآن عن بُعد من خلال تطبيقات إلكترونية متخصّصة.. ولكن بعد الاختراع الجديد سيمكنها من توفير روبوت تمريض يقدّم الخدمة بالتكلفة نفسها للمؤسسات الطبية المختلفة.. وهو ما يعتبر ثورة فى عالم الطب بأكمله.
أكبر التحديات التى تواجه الرعاية الصحية عبر تاريخها هو العنصر البشرى الذى يقدّمها.. والذى يخضع لمعايير الجودة والتباين طبقاً لمستوى التعلم والكفاءة.. بالإضافة إلى الإجهاد والإرهاق الذى يمكن أن ينال من مقدّمى الخدمة بسبب ضغط العمل.. أزمة «كوفيد» كانت خير مثال على هذه النقطة تحديداً وانهيار الأنظمة الصحية كان بسبب إرهاق الأطقم الطبية فى المقام الأول.. لقد أصبح الاختراع الجديد يقدم الحل لهذه النقطة تحديداً.. هناك روبوت لا يتعب ولا ينام يمكنه من ممارسة عمله على مدار الساعة لمدد طويلة تتجاوز الأسابيع دون أن يحتاج سوى للشحن الكهربائى لدقائق معدودة.
التطور لن يقف عند التمريض بكل تأكيد.. فسنوات قليلة وربما شهور تفصلنا عن إنتاج روبوت طبيب يمكنه الكشف على المرضى وتشخيص الحالات، بل وإجراء العمليات الجراحية.. مما يعنى أننا بصدد استقبال عهد جديد فى الرعاية الصحية.. عهد لا وجود للعنصر البشرى سوى فى نقاط محدّدة.. وهو ما يعنى أن المستقبل سيصبح مختلفاً بشكل كبير.لقد نجح الذكاء الاصطناعى فى اختراق كل المجالات، وعلى رأسها المجال الطبى.. ونجح فى تقديم أول تطبيق عملى حقيقى من وجهة نظرى يمكنه أن يغير شكل الرعاية الصحية بالكامل.. وهو ما سيجعل الأيام القادمة تحمل الكثير من أفكار الخيال العلمى قابلة للتطبيق فى هذا المجال.. ربما حان الوقت للاهتمام بهذا المجال فى مصر.. فالعقول المصرية يمكنها التفاعل مع هذا التقدّم بسهولة.. والجمهورية الجديدة تحتاج لأن نُنتج التكنولوجيا ولا نستوردها فقط.. أو هكذا أعتقد.