قبل خمسة أعوام من الآن تشرفت بالقدوم إلى هذا المبنى الكبير، الذى يحتل نهاية شارع مصدق بمنطقة الدقى.. كنت قبلها مبتعداً عن الصحافة لأكثر من عامين، عقب رحيلى عن إحدى المؤسسات الصحفية اليومية والموجودة أيضاً بنفس الشارع.. رشحنى للعمل بالجريدة الكاتب الصحفى الكبير الدكتور محمود مسلم، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الحالى، والذى كان يشغل وقتها منصب رئيس التحرير.. لا أعرف لماذا قرر الدكتور مسلم وقتها اختيارى للعمل ضمن مجلس تحرير الجريدة، رغم أن أعضاء المجلس بالكامل من أبنائه وتلاميذه بالمهنة من وقت وجوده معهم فى جريدة «المصرى اليوم» ورحيلهم جميعاً مع الكاتب الصحفى الكبير مجدى الجلاد لتأسيس جريدة «الوطن».. قبل أن يرحل عن رئاسة تحريرها ويقع الاختيار على الدكتور مسلّم ليشغل منصب رئيس التحرير.
لن أخفى عليك صديقى القارئ أننى كنت مضطرباً فى أيامى الأولى للعمل بالمؤسسة؛ حالى كحال أى شخص يذهب لعمل قائم بالفعل منذ فترة وحقق نجاحات كبيرة فى عالم الصحافة المصرية والعربية.. ولكن سرعان ما اختفى هذا الاضطراب وتأقلمت سريعاً مع زملائى وأصدقائى بالمؤسسة.. بفضل النظام الشديد التى كانت تسير عليه، وبفضل حجم العلاقات الإنسانية الكبيرة التى كانت ولا تزال تربط الزملاء فى العمل.
لن أكذب عليك صديقى القارئ وأقول لك إن هذا المبنى الكبير.. تسكنه الملائكة.. لكنهم بشر يحملون الخير والشر بداخلهم.. ولكن الحقيقة أن مساحة الخير داخل الزملاء والزميلات كانت أكثر بكثير من مساحة الشر بداخلهم.. ثلاث سنوات قضيتها داخل هذا المبنى قبل أن أرحل عنه لمدة عامين وأعود إليه مرة أخرى كرئيس تحرير، بعد تجربة الصديق والكاتب الصحفى أحمد الخطيب، التى مهَّدت الطريق لاختيار كوادر شابة تقود العمل الصحفى والإعلامى بمصر خلال السنوات القليلة الماضية.. اجتهد أحمد الخطيب وحاول الانتصار لنفسه وجيله، وترك «الوطن» منتقلاً إلى منصب آخر كرئيس لقطاع الثقافة والتراث بالشركة المتحدة.
واليوم تمر 9 أشهر على وجودى بمنصب رئيس التحرير، حاولت فيها أن أكمل المسيرة التى بدأها الكاتب الصحفى مجدى الجلاد، مروراً بالتجربة الأكثر نجاحاً واستقراراً للمؤسسة مع الكاتب الصحفى الدكتور محمود مسلم، وصولاً لتجربة الكاتب الصحفى أحمد الخطيب الذى هو فى الحقيقة ابن محمود مسلم مهنياً وإنسانياً، وكان د. مسلم أكبر الداعمين له خلال مشواره المهنى.. باعتراف «الخطيب» نفسه، وبمحبة وصدق من محمود مسلم الذى تعوّد على مساندة تلاميذه ودعمهم..
قضيت عامين خارج مبنى «الوطن» قبل أن أعود إليه مجدداً.. كل شىء كما كان.. بصمة مجدى الجلاد المهنية حاضرة، وروح وانضباط ودقة محمود مسلم، وطموح أحمد الخطيب.. لن أخفى عليك صديقى القارئ أن هذا المبنى الكبير يوجد به أفضل الصحفيين بمصر والوطن العربى.. قيادات وشباب لا يتوقف شغفهم بالمهنة فى محاولة مستمرة منهم ليظلوا عند حُسن ظن قارئهم.. يواصلون العمل ليل نهار حتى لا يفوتهم خبر أو تغطية حدث.. روح عجيبة لم أقابلها فى أى من المؤسسات التى مررت عليها على مدار أكثر من 22 عاماً بهذه المهنة.. مهنة البحث عن المتاعب والرضا بالقليل من الدخل فى سبيل شىء واحد يسيطر عليك ولا تستطيع حتى وأنت تغادرها أن تعرف اسماً أو صفة لهذا الشعور!!
لا أريد أن أنسى أحداً ممن ساهموا فى نجاح هذا الصرح الكبير، سواء مؤسسون أو زملاء وضعوا بصمتهم ورحلوا إلى تجارب أخرى، ولكننى ممتن للشخص الكريم الذى راهن علىَّ فى هذا المنصب، وأحاول دائماً أن أجتهد وأواصل العمل على مدار الـ24 ساعة؛ لا لشىء سوى لأثبت له أننى على قدر المسئولية والأمانة التى منحنى إياها.. ممتن لكل زملائى بالمؤسسة، أقابلهم يومياً منذ دخولى المبنى.. من أصغر موظف ومحرر وصولاً إلى الدكتور مسلم، رئيس مجلس الإدارة.. ممتن للدكتور أحمد محمود، المستشار الفنى للشركة المتحدة وصاحب المدرسة الكبيرة فى الإخراج الصحفى.. ممتن لأعضاء مجلس التحرير بالكامل من زملائى وزميلاتى.. وأثق أن أى نجاح يتحقق الآن لهذه المؤسسة لم يكن ليحدث بدون توفيق الله وجهدهم وتعبهم جميعاً.
أعدك صديقى القارئ أن «الوطن» ستظل دائماً رقماً مهماً فى الصحافة المصرية والعربية.. تنقل لك الحقيقة وتدافع عن مصر وأمنها.. وترفع قلمها فى وجه الخونة والمتربصين.. وكما كانت مهد الشرارة الأولى لثورة 30 يونيو باستضافتها لحركة «تمرد».. ستظل مدافعة عن الدولة المصرية وسيادتها وعن المواطن المصرى وحقوقه.. لن نكتب أو ننقل إلا ما يمليه علينا ضميرنا المهنى ولن ننتصر إلا للحق.. أملاً فى حقيقة واحدة.. أن يذكر التاريخ أو من يسكن هذا المبنى بعدنا.. أن هناك شرفاء وأمناء على المهنة والوطن سكنوا هذا المبنى وتركوا أثراً عظيماً بالصحافة المصرية.
كل عام وكل زملائى بجريدة «الوطن» الكبيرة بخير وسعادة ونجاح.