"نادرة": كنت عضوا فى "فتح" وشاركت مع المقاومة دفاعا عن صابرا وشاتيلا
رغم صغر مساحة بيتها، فإن الفلسطينية «نادرة محمد جوهر» استطاعت تحويل هذا البيت إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، باللوحات والملصقات والأعلام الفلسطينية المعلقة فى كل مكان، عمرها الذى تخطى الـ71 عاماً لم يمنعها من طهى «ورق العريش باللحم» لحفيدها القادم من المدرسة، بل وبدأت تراجع معه بعض واجباته المدرسية بهدوء.
الأناقة فى ملامح «نادرة» وملبسها وبيتها لا تجعل من يراها يصدق أن تلك المرأة قررت طوعاً أن تنضم إلى صفوف المحاربين للدفاع عن المخيمات الفلسطينية، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ومن بعدها الاجتياح الإسرائيلى، لتكمل بذلك رحلة أبيها «محمد جوهر» الذى كان فى صفوف الثورة العربية: «أبى كان إسكافياً بالنهار وثائراً ليلاً، واضطر إلى العمل فى مهنة غير مهنته، وهى الفاعل، لكى لا يشك به الإنجليز لأنه كان ينقل الأسلحة، أما أمى فعلمتنى أن أهتم دوماً بنفسى كامرأة حتى فى لحظات الحرب العصيبة».
«حققت حلمى بتكوين أسرة فلسطينية، نقلت لهم تراث بلدى وحفظته لهم، ودافعت عنه وحالياً أخدم أحفادى».
عمر «نادرة» الذى لم يتخط أربعة أعوام قبل مغادرة أرض فلسطين إلى الأبد لم يمنعها من تذكر تفاصيل الحياة التى عاشتها فى «نعيم» قبل أن تعيش حياتها كلاجئة.
فى «عكا» فى حارة «المعاليق» كانت «نادرة» تسكن مع أختها وأبويها، تسرح قليلاً قبل أن تقول: «كان فيه قنطرة أمام البيت اعتدت اللعب مع أختى تحتها الألعاب الفلسطينية الشهيرة وقتها»، ولكن الحال تغير بعد أن انتشر بين الأهالى خبر دخول القوات الصهيونية فلسطين، والقبض على الشباب المقاوم، ومنهم خالها وأبوها، فاضطرت العائلة إلى ترك المنزل بكل ما فيه والهرب إلى منطقة «الغازية» على طريق «صور» فى لبنان ثم مخيم عي الحلوة فى صبرا وشاتيلا. «أتذكر أول يوم بدأ القصف لجأنا للملجأ مع أبنائى وأمى، بعد أن طبخت وأخذت الطعام معى، ليكون زاداً لنا إذا طال القصف، من شدة الخوف أمى لم تعد قادرة على التحرك فقمت بحملها حتى وصلنا للملجأ» أحد المواقف التى تذكرها «نادرة» عن المجزرة، والتى دفعتها بعد ذلك إلى تعلم استخدام المدفعية: «كنت آخذ أولادى الأربعة معى وأطلب منهم الجلوس بجانبى بلا حركة فى الوقت الذى أستخدم فيه المدفعية، لتوجيه ضربات ضد قوات المحتل الصهيونى كوسيلة تمويه ضد القوات الأخرى التى تستهدف الهجوم على المخيمات الفلسطينية».
العودة إلى فلسطين ليس أمراً سهلاً على نفس «نادرة» فهى -كما تؤكد- إن ذهبت حتى لمجرد الزيارة فلن تعود حتى لو هددوها بالقتل: «أتمنى العودة ولكن لو ذهبت إلى الأرض المحتلة فى زيارة سيقتلنى اليهود، لأننى سأرفض ترك أرضى التى حارب أبى وأهلى من أجلها، أما ولادى فعمرهم ما ينسوا تاريخ بلدهم اللى حفظتهم إياه».