التصعيد الإسرائيلى ضد قطاع غزة ليس مجرد توتر حدودى، هو ضغط مباشر على قدرات الدولة المصرية، ولولا التطور الذى شهدته هذه القدرات خلال السنوات الماضية لكنا أمام تحدٍّ شديدة الخطورة على بقاء وتماسك الدولة المصرية.
نحن أمام 3 تحديات رئيسية:
أولاً: تحدى الأمن: الاضطراب على بُعد أمتار من الحدود الشرقية لمصر، وهو ليس مجرد مشكلة عادية، بل هناك مخطط إسرائيلى واضح لتهجير أهالى قطاع غزة إلى سيناء، والأمر الآن لم يعد مجرد استنتاج، فـ«رويترز» نشرت قبل أيام عن مصادرها أن إسرائيل طلبت من مصر بشكل مباشر فتح الحدود واستقبال اللاجئين، هذا الخبر لو صح فنحن أمام محاولة تنفيذ فعلى «بجح» للمخطط.وقبل التهجير، الاضطرابات تفرض تحديات أمنية متعلقة بمنع التسلل وتهريب الأسلحة أو المخدرات عبر الحدود، نتيجة لحالة السيولة فى الجانب الآخر، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود الأمنية والمراقبة المستمرة للحدود.
ثانياً: التحدى الإنسانى: كل يوم يمر من الإجرام الإسرائيلى يفاقم الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة، فشبح المجاعة يلوح فى الأفق، والنظام الصحى تقريباً منهار، فضلاً عمّا يؤديه التكدس فى رفح من مشكلات صحية جادة، وهو ما تحاول مصر الاستجابة له بشكل مباشر عبر بذل كل الجهود الممكنة لإدخال المساعدات، وهو أمر يحدث منذ البداية، وحتى بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح، حين اضطرت القاهرة إلى الاعتماد على الإسقاط الجوى فقط.
ثالثاً: تحديات يفرضها دور الوسيط:منذ اللحظة الأولى، قررت مصر -كعهدها فى مواقف مشابهة- أن تمارس دور الوسيط من أجل خفض التصعيد، هذا الدور يفرض قدراً مضاعفاً وأحياناً مبالغاً فيه من ضبط النفس، فالوسيط إذا تحول إلى طرف يفقد كثيراً من قدرته على التأثير والتوسط، وهو ما كان تحدياً بالغ الصعوبة لدى صانع القرار المصرى ومتخذه، خصوصاً ونحن نتحدث بشكل واضح عن تهديدات حدودية مباشرة.
ظلت مصر طوال أشهر تلعب دور الوسيط، ولم تتورط إطلاقاً فى أن تكون طرفاً، لكن الجانب الإسرائيلى، بصلفه وغروره والعمى الاستراتيجى الذى تفرضه الأيديولوجية التى تحركه، استطاع ببراعة شديدة أن يجعل مصر طرفاً يدافع عن أمنه القومى.
كل ما سبق يؤكد أننا أمام ضغط غير مسبوق منذ سنوات على الدولة المصرية، ومرة أخرى: تخيل لو أن الدولة التى تمر بهذه التحديات، هى نفس الدولة المثخنة بالجراح فى حقبة 2011 - 2013.. كيف كان لها أن تتعامل مع ذلك التهديد الخطير؟